بوتين على حق وأيضاً المعلم على حق
حميدي العبدالله
خلال استقبال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين لنائب رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية السوري الأستاذ وليد المعلم والوفد السوري المرافق له، قال الرئيس الروسي، إنّ موسكو تسعى إلى إقامة تحالف يضمّ سورية وتركيا والسعودية وقطر والأردن والدول الغربية لمكافحة الإرهاب. وردّ وزير الخارجية السوري على ذلك قائلاً، إنّ الرئيس بوتين حقق معجزات كثيرة لروسيا، ولكن قيام تحالف يضمّ الدول التي دعمت ورعت الإرهاب مع سورية قد يكون معجزة، وتأمل سورية أن تنجح روسيا في مسعاها.
كلام الرئيس الروسي وردّ وزير الخارجية السوري بدا وكأنّ الطرفين يقفان على طرفي نقيض إزاء هذه المسألة، لكن هذا فقط من ناحية المنطق، لكن في الواقع الرئيس الروسي على حق في ما ذهب إليه وأيضاً وزير خارجية سورية على حق في تشاؤمه من إمكانية قيام هذا التحالف الدولي الإقليمي.
الرئيس الروسي بنى موقفه على أمرين، الأول معلومات الحكومة الروسية التي جمعتها من اتصالاتها المتعدّدة، سواء مع الولايات المتحدة، وتحديداً مع وزير الخارجية الأميركي جون كيري، ومع السعودية بعد زيارة ولي ولي العهد السعودي محمد بن سلمان الذي زار روسيا مؤخراً، وقد تردّد بعد الزيارة أنّ محمد بن سلمان أبلغ الرئيس الروسي أنّ الرياض لم تعد تسعى إلى إسقاط النظام في سورية. ومعروف أنّ ملك الأردن زار موسكو، وجرت لقاءات عديدة بين المسؤولين الروس والمسؤولين الأتراك يضاف إلى ذلك المعلومات عن لقاء محتمل بين أمين عام الجامعة العربية ووزير خارجية سورية. الأمر الثاني، تقدير روسيا للموقف الإقليمي والدولي بعد تفاقم خطر الإرهاب، ولا سيما بعد الهجمات التي شنّها الإرهابيون في السعودية والكويت وتونس وفرنسا، فهذه الهجمات أكدت أنّ خطر الإرهاب الذي طالما حذرت منه موسكو ودمشق لم يعد مجرّد احتمال، بل تحوّل إلى واقع عبر الهجمات التي يتوقع أن تتصاعد في المرحلة المقبلة، إذا لم يكن هناك تعاون فعّال لضرب الإرهاب واحتواء مخاطره.
في ضوء هذا الواقع لدى روسيا تقدير بأنّ الدول الغربية وحكومات المنطقة لم يبق لديها هامش واسع من الوقت للمناورة وغضّ النظر عن الإرهاب، أو رفض التعاون مع جهات فاعلة ومؤثرة في مكافحته مثل الدولة السورية والتعاون مع روسيا على المستوى الدولي.
هذا ما دفع الرئيس بوتين إلى إطلاق مبادرته، إذا جازت تسميتها بمبادرة، لإنشاء تحالف دولي وإقليمي لمكافحة الإرهاب يضمّ سورية، والدول المنخرطة في الحرب عليها.
لكن أيضاً وزير الخارجية السورية على حق عندما شكك في نجاح روسيا في مسعاها، فتركيا وقطر لا تزالان تدعمان المنظمات الإرهابية بما في ذلك تنظيم «داعش»، واعتاد المسؤولون في هذه الدول على المراوغة، كما أنّ الكيان الصهيوني ومعسكر المحافظين الجدد في الولايات المتحدة وعلى المستوى الدولي يعارضون بقوة أيّ تعاون مع الدولة السورية لمكافحة الإرهاب، وكان آخر مظاهر هذه المعارضة تصريحات رئيس وزراء بريطانيا الذي ينتمي إلى هذا المعسكر، وتصرّ هذه الأطراف، على استمرار التعاون مع التنظيمات الإرهابية بذرائع شتى أبرزها الذريعة التي يردّدها المسؤولون الصهاينة والتي تقول بأنّ خطر الإرهاب خطر تكتيكي بينما خطر النظام في سورية ومنظومة المقاومة والممانعة فهو خطر وجودي.
بهذا المعنى، تتكامل المواقف التي أعلنها الرئيس الروسي ووزير الخارجية السورية ولا تتناقض، لا سيما أنّ الرئيس فلاديمير بوتين أكد أيضاً أنّ مهمة بناء هذا التحالف الدولي الإقليمي هي مهمة معقدة وصعبة للغاية.