مصر والإرهاب
حميدي العبدالله
تعرّضت مصر في الأيام القليلة الماضية لموجة جديدة من التصعيد الإرهابي، وضعها البعض في سياق الذكرى السنوية لثورة 30 حزيران التي أطاحت حكم «الإخوان المسلمين»، وتمثلت موجة التصعيد باغتيال النائب العام والهجوم على مواقع الجيش في سيناء، هجوم يشبه الهجمات التي يتعرّض لها الجيش السوري والجيش العراقي على أيدي الإرهابيين، الأمر الذي يؤكد أنّ الإرهاب في مصر تجاوز مرحلة الهجمات الفردية التي تحدث بين فترة وأخرى وتحوّل إلى حرب مواقع، بعد امتلاك التنظيمات الإرهابية لقاعدة راسخة تؤهّلها لتصعيد عملياتها الإرهابية، وتكثيف الهجمات على أهداف مختارة وعلى مواقع الجيش والأجهزة الأمنية على امتداد الأرض المصرية، ولا سيما في سيناء.
الإرهاب الذي يستهدف مصر يحظى بدعم دولي وإقليمي وقابلية تطوّر كبيرة. في سيناء ثمة اتفاق بين التنظيمات الإرهابية والكيان الصهيوني يشبه الاتفاق بين هذه التنظيمات والعدو الصهيوني على خط وقف إطلاق النار في الجولان، وهو الذي كشف النقاب عنه وزير الحرب الصهيوني الذي أكد أنّ ثمة اتفاقاً بين تل أبيب والتنظيمات الإرهابية في سورية، يقوم هذا الاتفاق على تقديم الدعم لها شرط أن لا تتعرّض لأمن الكيان الصهيوني.
كما أنه في داخل قطاع غزة ثمة وجود لتنظيمات سلفية، وحتى خلايا تابعة لتنظيم «داعش»، وإذا ما أضيف إلى ذلك أنّ حركة حماس هي جزء من «الإخوان المسلمين» وجماعة «الإخوان» تجاهر بدعوتها لإسقاط النظام المصري، فيمكن الاستنتاج من دون أيّ تحامل بأنّ غزة تشكل بصورة أو بأخرى مصدراً لتمويل التنظيمات الإرهابية في مصر بالأسلحة، ومعروف أنّ الحصار الذي لم يحُل دون تدفق السلاح على التنظيمات المقاومة في القطاع، لا يمكن له أن يحول دون انتقال السلاح بالاتجاه المعاكس إذا كان هناك من يعمل على ذلك، وفعلاً هناك الكثير من الجهات الفاعلة في قطاع غزة التي تتقاطع مواقفها في دعم التنظيمات الإرهابية بالسلاح، حتى وإنْ كان ذلك بدوافع وخلفيات متباينة.
ليست هذه وحدها العوامل التي تجعل موجة الإرهاب في مصر قابلة للتصعيد أكثر مما كان عليه الحال في السنوات التي أعقبت «الربيع العربي»، بل أيضاً الوضع في ليبيا يصبّ في الوجهة ذاتها، إذ من المعروف أنّ القوى والتيارات المسلحة الفاعلة الآن في ليبيا، تضمّ جماعتين تجاهران بالعداء لنظام الحكم في مصر وتسعيان إلى إسقاطه. الجماعة الأولى، التي تضمّ «الإخوان المسلمين» وتنظيم «القاعدة» التابع لأيمن الظواهري، والتي تسيطر على حكومة طرابلس، هذه الحكومة جزءٌ من التحالف الإقليمي الذي يضمّ قطر وتركيا وتحظى بدعم هذه الدول، وهي ضدّ النظام المصري، أولاً لأنّ النظام المصري يدعم جماعة حفتر، وثانياً لأنّ القوة الأساسية في هذه الجماعة هي من «الإخوان المسلمين»، التي تحارب نظام الرئيس السيسي، وليبيا تشترك مع مصر بحدود طويلة، ومهيأة لتقديم الدعم المالي والعسكري، سلاح وإرهابيين، لتصعيد الهجمات ضدّ الجيش ومواقع مختارة في مصر، الجماعة الثانية هي تنظيم «داعش» الذي سيطر على سرت ومناطق ليبية قرب الحدود المصرية.
في ضوء هذا الواقع، فإنّ ما ينتظر مصر ليس استقراراً وشيكاً وحرباً ظافرة ضدّ الإرهاب، بل مزيداً من المواجهات ومزيداً من الفوضى والاضطرابات التي سيذهب ضحيتها الكثير وتؤثر سلباً على أداء الدولة وعلى الاقتصاد المصري.