اليمن مقبرة وجامعة الأعراب… مقبرة!

محمد ح. الحاج

أذكر وكأنه حلم في خمسينات القرن الماضي، درساً عنوانه: اليمن مقبرة الأناضول، كان درساً في التاريخ يشرح عمليات الجيش العثماني الفاشلة في شعاب اليمن وتضاريسه الصعبة محاولاً السيطرة على جغرافيته وإخضاع شعبه، ولقد كان هذا البلد المسمّى تجاوزاً اليمن السعيد أو أرض الجنتين، مقبرة لأغلب جيش بني عثمان على مدى عقود ولم يرضخ، كما لم تستقرّ للسلطنة سلطة عليه… هل ينتقم أحفاد إسلام الدونمة للخلافة من هذا البلد فيحرقوه من الجو محاولين إخضاعه في تجربة أكثر مرارة يشاركهم فيها تحالف أغلبه مرتزق؟ فالقتال لا تقوده عقيدة أو أهداف مشروعة، بل هو العدوان والاستكبار، أما شعب اليمن الراسخ في حضارته، الثابت المحافظ على أصالته، المدافع عن حريته فنراه يؤكد ثانية على أرض الواقع أنّ اليمن ليس مقبرة الأناضول كما قرأنا عنها فقط، بل سيكون مقبرة لكلّ الغزاة.

يبدو أنّ الغرور حالة إنسانية نسبية، لا تقتصر على الأفراد بل تتعدّاها إلى الجماعات والدول، الغرور دافع رئيس لتجاوز الدروس والعبر التاريخية والتجارب المريرة، فإنْ لم يكن هو الدافع الوحيد فإنّ الأطماع والآمال بتحقيق الثروات تشكل الجانب الآخر وربما يكون غروراً من نوع ما، أيضاً، إنه الوهم، من ذلك أنّ الولايات المتحدة الأميركية لم تستفد من تجاربها الحربية في كوريا وفيتنام وغيرها فوقعت في تجربة العراق… مع فارق كبير بين غابات كثيفة، ورمال جرداء، بين مناطق مغلقة على المجهول، ومناطق مفتوحة على كلّ الاتجاهات، قبل الولايات المتحدة أيضاً، لم تستفد القارة العجوز أوروبا من تجارب الحروب المريرة، وقد تكرّرت لأسباب بدت واهية من حيث المعلن، لكنها كانت محكومة بالأطماع والغرور ومعهما الغطرسة بسبب امتلاك الوسيلة المتقدّمة وأدوات الحرب والمال، لتوسيع النفوذ والاستيلاء على الثروات، وربما وعى عالم الغرب مؤخراً أسباب الكوارث البشرية ومعاناة الإنسان…

ويبقى الاحتيال واختلاق الذرائع لشن الحروب أو المشاركة فيها تحت عناوين زائفة أكثرها تداولاً الدفاع عن الديمقراطية والحريات وحقوق الانسان… أو الشرعية التي لها أكثر من ميزان وتعريف…!

الأعراب من أكثر الشعوب سطحية في فهم تجارب التاريخ والاستفادة منها أو التعلم، فهؤلاء ينخرطون في الحروب ويشعلونها دون بحث عن ذرائع أو مبرّرات، يتفرّقون عندما يكونون ضحية عدوان خارجي، ويلتئم شمل بعضهم إذا كان الضحية من بعضهم الآخر، وهم بطبعهم أذلاء ضعفاء أمام العدو، وأشداء لئام في ما بينهم، لا ينطبق عليهم مأثور، تمتدّ حروبهم لعقود طويلة، فلا يكون صلح أو تسامح أو حتى هدنة إلا بتدخل خارجي، وهذا التدخل ذاته ربما كان قاعدة انطلاق حروبهم في الأصل، لكنه يصل دائماً قبلهم إلى إدراك لحظة اللاعودة والكارثة… وإذ يتدخل فلضمان بقاء الجمر تحت الرماد وتحضير موقدة جديدة وطبخة مختلفة تضمن تغيير طعم مرارة الطبخة الأولى لينخرط الأعراب فيها، منذ حرب البسوس، وداحس والغبراء إلى حرب اليمن الأولى وصراع المحاور بعد أن أوجد الثعلب البريطاني تلك الهيكلية المسمّاة جامعة، وهي المفرّقة، مهمّتها الأساس منع الوصول إلى أيّ من أشكال التكامل أو التعاون أو حتى الحفاظ على الكيانات التي ساهمت في التوقيع على شهادة ميلادها، وأخيراً يدرك بعضهم اليوم أنّ شهادة الوفاة صدرت ويتجاهلها البعض إمعاناً في الدجل والزيف، نعم التأم شمل الأعراب مع بداية العدوان على اليمن الذي سيكون مقبرة لكثير من قواتهم المعتدية – الحرب الحقيقية لم تبدأ بعد… يقول اليمنيون…!

هل هو الصراع على النفوذ في اليمن؟ وهل يعتقد حقاً بعض قادة الأعراب أنهم سيرثون القوى الكبرى في مناطق نفوذها بعد أن باتت عاجزة عن الاستمرار فيها بطرقها القديمة، آل سعود ليس بمقدورهم التحكم باليمن غير السعيد بجوارهم، ومن الغرابة القول بوجود صراع بين آل سعود وبعض قادة الإمارات أو غيرهم على هذا النفوذ في اليمن وهو الأكثر حضارة وعراقة ومعرفة بالسياسة، لكنه الأكثر فقراً، هل يحاول هؤلاء شراء اليمن بقذائف الطائرات وصواريخها بدلاً من مدّ يد العون له واستقطابه؟ أي عقل هذا الذي ينتظر المحبة ممن يصفعه قائلاً أنا أبذل جهدي لمساعدتك؟ هل تقصفون اليمن وتدمّرون معالم الحياة فيه منتظرين خضوعه وإعلان اليمنيين ترحيبهم بكم؟ ما أفصحكم وأنتم تعلنون عن مساعداتكم المتجهة إلى اليمن، وبعدها عودة طائراتكم محمّلة بجثث الجنود الأبرياء ثم لتعلنوا الحداد ثلاثة أيام على الدفعة الأولى، كم من الأيام سيكون حدادكم القادم ولماذا؟ واليوم تعلن مشيخة قطر إرسال جنود للمشاركة في الجهاد على أرض اليمن! خدمة جلى من «قطرائيل» بلا مقابل، ولا حتى بحث عن نفوذ، قطر لا تريد المضاربة، علاقاتها مميّزة مع كلّ المتناقضات، قريبا يقع بعضهم في كمين، فهل تعلن قطر الحداد أم هذا من اختصاص البلد الذي جلبت منه الجنود المرتزقة…!

ساهم أغلب الأعراب في إشعال الحرائق في العراق والشام وبعض زواريب لبنان، كما أشعلوا لهم مواقد في مصر بعد تونس، لكنهم أحرقوا ليبيا، في زمن ما، سخر منهم القذافي، لكنه قال «طز في أمريكا» ودفع بعض الثمن على الحساب، الأعراب يأخذون بالثأر بعد أربعين عاماً ويعتبر بعضهم أنه تعجّل قليلاً، الرئيس السوري أيضاً قال عنهم «أنصاف رجال»، والحقيقة أنهم أشباه وليس أنصاف، الأهمّ أنه لم يقبل بولايتهم ولم يأخذ بوصاياهم، مع أنهم اختصروها ولم تصل من حيث العدد إلى أكثر من ثلاث وصايا، لقد تجرأ الأعراب على كسر القاعدة فلم تكن الوصايا عشراً، قرّروا بعدها تجميد عضوية سورية، ما يعني طرد العضو المؤسّس، وهذا لم يحزن السوريين فالجامحة ماتت قبل زمن يوم حللت غزو العراق، وصمتت عن ضرب لبنان وفلسطين، وأباحت أرض العرب والأعراب لكلّ غاز ودخيل، وأما الأعرابي غير النبيل المسمّى أميناً عاماً فقد أعلن عن الحجم الفعلي لمؤسسته بالقول إنّ مشكلة اللاجئين السوريين أكبر من حجم الجامعة، ومن قال غير ذلك؟ مشكلة النفايات في لبنان أكبر من هذه المؤسسة فهي لا تصلح محرقاً ولا مطمراً لأكثر من نفايات الأعراب السياسية وقد فاضت حتى طمست معها صوته الذي علا مؤخراً وكأنه يلتمس فسحة لالتقاط نفس حتى لا يختنق برائحة السياسات العفنة لمجموعته الساقطة بقيادة مشيخة قطر وبعض آل سعود وذيلهم في البحرين، جامعة العربان ما عادت تصلح لأكثر من ذلك، مطمر الناعمة على تواضعه أكبر وأكثر فائدة منها، ويحق لأهل الناعمة المفاخرة فهم أعلنوا بجرأة إغلاق المطمر بينما لم يمتلك أهل الجامعة الجرأة على الفعل بالمثل وهم الأكثر حاجة.

يعلم السوريون علم اليقين أنّ الدول التي أشعلت الحريق بأدواتها متجاهلة مصالح الشعب السوري لا يمكن أن تكون في عداد الدول الباحثة عن حلّ لهذه المشكلة، الذين خرجوا بسبب الحريق هرباً من وحشية عصر الخلافة ومجازرها ليسوا معنيين بأن تفتح لهم دول الأعراب أبوابها كما يطالب عبد الباري عطوان، ويبدو أنه لم يتعلّم من التجربة التاريخية للشعب الفلسطيني…! هل تفتح دول الأعراب أبوابها لأبناء فلسطين أم تضيّق عليهم الخناق بشكل عام مع بعض استثناء لمن يسير في ركاب سياسات هذه الدول، ألا تعلم أنّ عمليات التهجير القسري والطوعي والإغرائي والاحتيالي وكلّ المسمّيات تمارسها هذه الدول ليبتعد الفلسطيني إلى الطرف الآخر من الكرة الأرضية في كندا واستراليا أو دول اسكندينافيا حسب التصنيف الديني والمذهبي … وهل تعتقد أنّ أهل الخليج يبحثون عن السوري النشيط، المثقف، صاحب الخبرة؟ يبدو أنك لم تكتشف الحقيقة التي تعلمتها من لقاء جمعني بثري على أرض الكويت رحمه الله ، وكان لديه أكثر من مائة عامل مصريين، بنغاليين، وهنود سألته لماذا لا توظف بدلاً من هؤلاء سوريين ولبنانيين وفلسطينيين، أوليسوا أكثر خبرة؟ فقال: نعم لكنني لن أجرؤ بعدها على ضرب أو شتم أحد، أنا أطك المصري فيقول: ربنا يكرمك يا بيه، وأشتم الهندي والبنغالي وأطكه عشرين كف فيجمع يديه إلى صدره ويقول: يس سير، ثانك يو، السوري إذا شتمته يشتمني ويشتم أميري بعدي، وإذا رفعت يدي يكسرها، ومثله اللبناني والفلسطيني ثم أن هؤلاء يقبلون بما أدفع لهم، والسوري يشترط حدود راتبه وساعات عمله…! هذه قاعدة يتعامل بها أهل الخليج مع السوريين يا أستاذ عبد الباري، أصحاب رؤوس المال من السوريين أصبحوا في لبنان والأردن وتركيا، والشباب ذوي الكفاءات اتجهت إلى اوروبا وبعضهم مات غرقاً…! المشجع ألمانيا بسبب حاجة محلية وتلعب الدعوات دورها لإفراغ المنطقة وهذا جزء من الحرب، أنا لا أقرّك في لوم الأعراب إذ لا يستحقون فهم بلا أفق وطني ولا قومي، ولا رابط ديني وما يقولون به مجرد زيف ولن يستقيم لهم رأي أو حكم إلا بعد أن يضع اليمنيون أيديهم على تلك البلاد وثرواتها في إعادة لحقائق التاريخ بعد طرد بقايا الدونمة الحكام الحاليين.

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى