الغارات الروسيّة على «النصرة» فضحت علاقة الغرب والسعودية بـ«القاعدة» تهديد خامنئي جلب الرياض إلى بيت الطاعة… وبدء تسليم جثامين الضحايا

كتب المحرر السياسي

نجح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بنقلة شطرنج جديدة في حشر الغرب وعلى رأسه إدارة الرئيس الأميركي باراك اوباما في زاوية صعبة، والتمهيد لنقلة ثالثة ستغيّر مسار الحرب على الإرهاب والحرب في سورية معاً، فقد تحقق للرئيس بوتين ما أراده في النقلة الأولى بنشر وحدات عسكرية روسية في سورية بالتنسيق مع الدولة السورية وفرض حضور روسيا شريكاً شرعياً معترفاً به من خارج التحالف الذي تقوده أميركا، ليقيم حلفاً جديداً في وجه خطر الإرهاب، أما النقلة الثانية فهي قيام الطيران الروسي باستهداف مواقع «جبهة النصرة» المصنفة على اللوائح الأممية والأميركية كفصيل إرهابي، باعتبارها الفرع الرسمي لتنظيم «القاعدة»، تحيّدها طائرات التحالف الذي تقوده واشنطن من الاستهداف طوال سنة من حربها على «داعش»، بينما يخرج مدير المخابرات الأميركية السابق الجنرال ديفيد بترايوس ليدعو إلى اعتمادها كبديل قادر على خوض الحرب ضدّ «داعش»، ويقيم كلّ حلفاء واشنطن في السعودية والأردن وتركيا و«إسرائيل» أفضل العلاقات معها، ويبذلون كلّ المساعي لدعمها، فجاءت الغارات الروسية لتفتح جدالاً فضح النفاق الغربي في الحرب على الإرهاب من دون أن يجرؤ أحد على تسمية «النصرة»، مكتفين بالقول إنّ من استهدفهم الطيران الروسي هم معارضون للحكومة السورية، بينما جاء الردّ الروسي على لسان وزير خارجية روسيا سيرغي لافروف بأنّ الذين استهدفوا هم مصنفون على اللوائح الأميركية للإرهاب.

لم تفلح الحملة الغربية والسعودية بثني موسكو عن تصميمها فواصلت عملياتها بالمعايير ذاتها لليوم الثاني، لتستجيب واشنطن لدعوة روسية للتنسيق في تعريف الإرهاب، وتحديد استراتيجية موحدة للحرب على الإرهاب.

لن يكون سهلاً على واشنطن التنصّل من تصنيف «النصرة» فصيلاً إرهابياً، وهذا يعني تشريع استهدافها بما يعني بدء النقلة الثالثة التي يستعدّ لها الروس، وصولاً إلى تغيير معادلة الحرب برمّتها، فـ»النصرة» هي القوة التي تتولى استنزاف الجيش السوري، بعدما تلاشت فصائل المعارضة الأخرى وتحوّلت إلى مجرد يافطات، وضرب «النصرة» سيجعل الحرب محصورة في سورية عملياً بين الجيش السوري و«داعش»، وعلى الغرب عندها الاختيار بين الفريقين، بعدما كان يتولى تسمين «النصرة» لتقديمها بديلاً للجيش السوري و«داعش» معاً.

بالتوازي مع النجاح الروسي، نجاح إيراني يضع قواعد حلّ مع السعودية، لنتائج كارثة الحج التي نال إيران أكثر من نصف ضحاياها، وفوق ذلك إدارة ظهر سعودية لكلّ المناشدات الإيرانية للتعاون في جلاء مصير الحجاج الإيرانيين، وتسليم جثامينهم، وبالغت السعودية في التصعيد بالإعلان عن نية دفن جميع الضحايا في مقبرة جماعية في مكان قريب من مكان وقوع الكارثة، ما دفع بمرشد الثورة الإيرانية السيد علي خامنئي، لتهديد السعودية بردّ قاس، وإعلان قادة عسكريين إيرانيين بعمل عسكري كبير، وبدأ التغيير السعودي باتصال تلقاه أمس وزير الحج الإيراني من نظيره السعودي يدعوه لزيارة الرياض سعياً للتفاهم، حيث تمّ تسليمه فور وصوله لائحة بأسماء الضحايا الإيرانيين وإبلاغه الموافقة على البدء بتسليم جثامينهم.

لبنانياً، ترنّحت المناخات الإيجابية التي سادت ليومين ماضيين، بعدما خرج الرئيس السابق ميشال سليمان ومن خلفه عدد كافٍ من الوزراء لتعطيل النصاب في اجتماع الحكومة إذا طرحت ترقيات ضباط الجيش اللبناني من رتبة عميد إلى رتبة لواء، من بينهم العميد شامل روكز، والوزراء الحضور في أغلبهم من المنتمين إلى قوى الرابع عشر من آذار ما يضع علامات استفهام كبرى حول الموقف الفعلي لـ«تيار المستقبل» من التسوية التي أعلن قبولها وحاول رئيس كتلته الرئيس فؤاد السنيورة نسفها بتسريب مفخخ لمضمونها وأثار أزمة بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والعماد ميشال عون، لم ينجلِ غبارها إلا أمس، بعد مداخلات ومساعٍ حثيثة لوسطاء وأصدقاء مشتركين، وبمحاولة الرئيس بري امتصاص الأزمة تغليباً لمساعي التسوية في قضية الترقيات، تمهيداً لشقَّي التسوية المتصلين بتفعيل العمل الحكومي وإعادة الحياة البرلمانية.

وتكاملت مؤشرات السلبية بما صدر من تلويح عن وزير الزراعة أكرم شهيّب، بإمكانية سحب يده من ملف النفايات، وما لاح من احتمال مبادرة الرئيس بري إلى تأجيل جلسات الحوار إذا بدا أنّ التشنّج سيد الموقف بانتظار عودة الواقعية والعقلانية وسيادة التهدئة.

هذا التحوّل المفاجئ من مؤشرات التفاؤل نحو التأزّم طرح في أوساط المتابعين تساؤلات حول مدى اتصاله باعتبارات محلية صرفة، في ضوء التصعيد السعودي الذي استهدف الدور الروسي في سورية، وربما وجد في الغبار اللبناني ضالته المنشودة كصندوق بريد لشدّ أوتار الساحة الوحيدة التي لا يزال يملك تأثيراً فيها.

منظومة التوتير الداخلي إلى مزيد من التعقيد

هل سترتّب الرهانات الاستراتيجية للعماد ميشال عون نتائج كاسرة للواقع الحالي للبلد وتأخذه إلى مكان آخر؟ وكيف سينعكس المشهد المتحرك في المنطقة والتداعيات الهائلة على الواقع اللبناني؟

بانتظار أن ينجلي المشهد في سورية يبدو أنّ منظومة التوتير الداخلي إلى مزيد من التعقيد، والحديث عن اختراقات إيجابية في ملف الترقيات لم تكن في أفق اتصالات يوم أمس التي استمرّت حتى منتصف الليل، فلم يطرأ أيّ جديد على الموضوع الذي من المؤكد أنه طُوي وأن لا ترقيات لأيّ ضابط من رتبة عميد الى رتبة لواء، ما يعني أن لا ترقية للعميد شامل روكز، إذ إنّ حزب الكتائب مُصرّ على عدم السير بأيّ تسوية تؤثر على المؤسسة العسكرية، وأنّ رئيسه النائب سامي الجميّل التزم بهذا الأمر أمام المعنيين في تيار المستقبل، والرئيس السابق ميشال سليمان، بحسب ما علمت «البناء»، ما زال موقفه على حاله برفض الترقيات ويربط ذلك إذا ما حصلت ترقية العميد وديع الغفري وإلا لا ترقيات ولا من يحزنون. ودعا «اللقاء التشاوري» الذي يترأسه في البيان الذي تلاه وزير الدفاع سمير مقبل، إلى إبعاد المؤسسة العسكرية عن سياسة المراضاة والمحاصصة، وتركها للقيّمين عليها، مجدداً رفضه أي تسوية على حساب هيكلية الجيش والتراتبية العسكرية فيه.

وفي السياق علمت «البناء» أن سليمان طرح تأجيل تسريح العميد روكز مع 26 عميداً لمدة سنة واحدة على أن ينتهي مفعول ذلك عند انتخاب رئيس للجمهورية. إلا أنّ السؤال هل سيوافق على هذه التسوية كلّ من العماد عون والعميد روكز؟ وفق مصادر عونية لـ«البناء» فإنّ التسوية أصبحت وراء ظهر العماد عون الذي بات على قناعة بأن لا ترقيات، وأنّ العميد روكز من جهته، يرفض تسويات كهذه، خصوصاً أنه قد يُنقل من قيادة فوج المغاوير في حال التمديد للعمداء، مع الإشارة إلى «أنّ قادة الأفواج في الجيش هم من رتبة عقيد وما دون وأنّ ظاهرة العميد روكز هي استثنائية».

ولفتت مصادر مطلعة في 8 آذار لـ«البناء» إلى «اتصالات جرت في محاولة العودة إلى الوراء ونزع عناصر التفجير التي أحدثتها تسوية البنود التسعة وتجاوز الخطأ الفادح الذي فجرها وحصر المقاربة بالبنود الثلاثة المتعلقة بالحكومة والمجلس النيابي وترقية العميد شامل روكز الى رتبة لواء مع حق الضباط الأكثر اقدمية، ووفق آلية دستورية بأن تتمّ ترقيتهم الى رتبة لواء». وتلفت المصادر إلى «أنّ محاولة استجابة الجنرال عون للمبادرات باتت صعبة جداً لا سيما انّ ما جرى كان بمثابة الإساءة الشخصية له ضمن خطة مدروسة سلفاً».

وفي السياق، جدّدت كتلة الوفاء للمقاومة تحميلها حزب «المستقبل» المسؤولية الكاملة عن الشلل الذي أصاب مؤسسات الدولة وما يجرّه ذلك من تعطيل لمصالح المواطنين، مؤكدة أنّ ارتهان حزب «المستقبل» للنظام السعودي يبقي قراره معلقاً على مصالح النظام وحروبه الخاسرة ما يعطّل الحلول الداخلية. واعتبر الوزير وائل ابو فاعور «أنّ التسوية عالقة حول إيجاد أصوات كافية في مجلس الوزراء»، مشيراً الى أن هناك «موقفاً يصل حتى العداء بين رئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون والرئيس السابق ميشال سليمان يعرقل الحلّ».

مَن سيتولى أولاً تفجير الحوار؟

وعليه، باتت طاولة الحوار التي من المفترض أن تنعقد ايام السادس والسابع والثامن من الشهر الحالي محط تساؤل كبير، لجهة مصيرها. فهل سينجح حزب الله قبل يوم الاثنين في ترطيب الأجواء وإعادة المياه الى مجاريها بين رئيس مجلس النواب نبيه بري والعماد عون؟

وتشير مصادر مطلعة لـ«البناء» إلى «أنه لا يمكن القول إنّ الحوار محكوم بالسقوط النهائي بمعزل عن السقوط الحكومي»، صحيح «أنّ وظيفته لم تعد تعني إحداث خرق في بنود جدول الاعمال، لكن السؤال يبقى عمن سيتولى أولاً تفجير قنبلة الانسحاب منه؟ فما يحصل هو تقاذف لكرة التعطيل ومراعاة لنظرة الحلفاء إلى الموضوع». وترى المصادر «أنّ الساعات الـ 72 المتبقية من جلسة الحوار لن تشهد سقوطاً لمعادلات افلاطونية تكسر الواقع السيّئ، وربما تكون جلسة الثلاثاء ساعة الانفجار الحقيقي، بحيث يذهب المتحاورون إلى الحوار وتنفجر بينهم ويطير الحوار. وهذا أكثر من احتمال، أو أن يقرّر الرئيس بري تأجيل الجلسة لإعطاء فرصة للاتصالات بدلاً من انفجار الحوار في ظلّ الواقع المتفجر في المنطقة».

ودعا الرئيس بري بحسب ما نقل عنه زواره، الى «التمثل بحوار الولايات المتحدة وروسيا وايران وغيرها التي تسعى اليوم الى حلّ مشكلاتها من خلال المحادثات الثنائية والدبلوماسية». ويؤكد بري «أنّ طاولة الحوار في لبنان ليست مجرد تقطيع وقت، إنما هي فرصة حقيقية لإعادة إنعاش المؤسسات وتسيير شؤون البلاد والعباد»، وهي من خلال «اتفاق الترقيات الأمنية» قد حققت خطوة، وان تمكّن البعض من خربطة الأمور. وإن ذلك «يبقى دليلاً دامغاً إلى إمكانية التوافق وإنجاز الكثير من جدول أعمال وبنود طاولة الحوار».

تخلّي شهيّب عن ملف النفايات

ويضع وزير الزراعة اكرم شهيّب رئيس الحكومة تمام سلام اليوم في آخر ما تمّ التوصل إليه في الملف لتصل الأمور إلى خواتيمها السعيدة ويبدأ بالتنفيذ. ويعتزم أن يطالب رئيس الحكومة بمؤازرة من الجيش وقوى الأمن من أجل تطبيق خطة معالجة النفايات المتراكمة في الشوارع والطرقات وإيصالها إلى المطامر المخصصة لذلك في الناعمة وسرار والمصنع، وانه في حال عدم الاستجابة لهذا الطلب سيتجه للتخلي عن هذا الملف وترك المعالجة لغيره من الوزراء. وأكد شهيّب بعد لقائه وزير الداخلية نهاد المشنوق أنّ العمل مستمرّ لإزالة كل العقبات أمام خطة النفايات، وان من يمثل الحراك المدني حصل على كلّ الأجوبة على الأسئلة التي طرحها. في المقابل، لا يزال الحراك المدني يدرس الردّ النهائي حول النقاط المتقاطعة مع خطة شهيّب من دون التوصل الى أيّ جواب حتى الآن. وأكدت مصادر في الحراك الشعبي لـ«البناء» عقد مؤتمر صحافي اليوم في ساحة رياض الصلح عند الساعة الواحدة ظهراً لتحديد موقف الحراك من خطة وزير الزراعة. وأشارت المصادر الى «أننا نرى ثغرات كثيرة في هذه الخطة لا سيما من الناحية التقنية»، مجددة «رفضها لهذه الخطة»، وداعية الى «أخذ الخطة التي قدمها الحراك بالتعاون مع الحركة البيئية ولجنة خبراء في البيئة بعين الاعتبار لأنها الخطة الأمثل». وشدّدت المصادر على «أنّ أهالي المناطق لا سيما عكار والناعمة رفضوا تطبيق خطة شهيّب رغم موافقة البلديات».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى