في مشروعية التدخل الروسي في سورية
د. إبراهيم علوش
إذا كنا نرفض التدخلات الأجنبية عموماً، والإمبريالية خصوصاً، في بلادنا وفي دول العالم الثالث، من حيث المبدأ، فكيف نسوّغ دخول روسيا على خط الأزمة السورية عسكرياً؟ وهل يمثل ذلك كيلاً بمكيالين من قبل أنصار الدولة السورية داخلها وخارجها، أم أن التدخل الروسي يختلف نوعياً عن التدخلات الأجنبية الأخرى من حيث طبيعته وأهدافه السياسية ومداه؟ وإذا كان الأمر كذلك، فأين تكمن مثل تلك الاختلافات؟
كثيراً ما تُطرح مثل هذه الأسئلة على أنصار سورية أو فيما بينهم، وفي حوار مع الصديق محمد أبو نصر حاولنا وضع أساس منهجي للإجابة عليها انطلاقاً مما يلي:
1 ـ أن سورية تتعرض منذ حوالي خمس سنوات لتدخل أجنبي علني، تتصدّره دول حلف الناتو ومنظومة البترودولار وتركيا والكيان الصهيوني والأردن، وهو تدخل لا يُخفي من يقومون به دورهم فيه من تهريب الأسلحة والإرهابيين وتدريبهم وتسليحهم وتقديم الدعم اللوجستي والاستخباري إلى الحملات الإعلامية المسعورة ومحاولات العزل السياسي والدبلوماسي.
2 ـ أن ما يجري في سورية، بالتالي، ليس تمرداً محلياً مسلحاً ضد الدولة السورية، كما تصوره وسائل الإعلام الصفراء، ولو كان الأمر كذلك لانتهى منذ أمدِ بعيد، بل تواجه سورية كدولة عربية من العالم الثالث كل الثقل السياسي والعسكري والاستخباري والمالي لعدد من الدول الاستعمارية العظمى، والأنظمة الرجعية العربية، وتركيا والكيان الصهيوني، مجتمعة.
3 ـ مثلاً، أعلنت حكومة الولايات المتحدة في 9 تشرين الأول 2015 عن وقفها برنامج تدريب عسكري لما تسميه «المعارضة المعتدلة» في سورية بقيمة 500 مليون دولار. وهذا بالمناسبة غير البرنامج التدريبي الذي تشرف عليه وكالة المخابرات المركزية الأميركية CIA، ناهيك عن برامج الدول الأخرى المتدخلة في سورية، فكم دولة في العالم الثالث، أو غيره، تستطيع وحدها أن تحتمل ثقلاً من هذا النوع كما فعلت سورية؟!
4 ـ أن الصراع في سورية هو صراع دولي، ما بين الدول المستقلة والإمبريالية، وصراع إقليمي، مع منظومة البترودولار الرجعية العربية، وصراع عربي مع العدو الصهيوني في مواجهة مشروع التفكيك، أي أنه صراع في سورية على سورية ومن أجل تفكيكها، وليس صراعاً سورياً – سورياً بالأساس، وعليه من حق سورية أن تطلب إن أرادت، ومن واجب من يسعون للتخلص من الإحادية القطبية في العالم، أو يناهضون هيمنة البترودولار على الإقليم، أو يعادون العدو الصهيوني، أن يستجيبوا لمطلب سورية بتقديم الدعم والمساندة، إن طلبتهما.
5 ـ أن سورية هي التي طلبت المساعدة من الروس، فالروس أتوا بالتنسيق مع الدولة السورية، أي بقرار سيادي سوري، على قاعدة تقاطع المصالح بين الطرفين، ولم يأتوا رغماً عن الدولة السورية أو من دون موافقتها، فهم لم يأتوا محتلين للأراضي السورية مثلاً كالأتراك والصهاينة، أو منتهكين للسيادة السورية، كما تفعل دول التحالف التي تزعم مقاتلة داعش منذ عام من دون أن تؤثر فيه كثيراً، مع سبق الإصرار على عدم التنسيق مع الدولة السورية.
6 ـ أن الدخول العسكري الروسي على خط الأزمة السورية لم يأت لأن الدولة السورية سفينة غارقة، كما زعمت وسائل الإعلام الصفراء، بل لأن تلك الدولة أثبتت، بعد حوالي خمسة أعوام من تحمل ثقل التدخلات الغربية والرجعية العربية والتركية والصهيونية في سورية، أنها تستطيع الحياة والصمود، لكنها تحتاج للقليل من الدعم، وما كان الروس سيدخلون لو شعروا أن عليهم تحمل كل العبء القتالي على عاتقهم، كما حصل في أفغانستان في نهاية السبعينيات، ومن هنا التأكيد الروسي على أن التدخل سيأخذ شكلاً جوياً وصاروخياً فحسب.
7 ـ إذن، روسيا دخلت كحليف بطلب من الدولة السورية الشرعية، التي لم يضعها الغرب في الحكم، بل التي تدافع عن استقلال سورية. وروسيا دولة ليس لها تاريخ استعماري في بلادنا، ولا أطماع استعمارية، ولا تستطيع الاستمرار في سورية من دون موافقة الدولة السورية. وعليه، فإن دخولها لسورية ليس معادياً بل صديقاً، وله أمد محدود الأجل، وليس كقصف الناتو لليبيا العام 2011 بمشاركة الأنظمة الرجعية العربية التي لم ترَ فيه وقتها «خطراً صليبياً» بالمناسبة، أو عدوان الولايات المتحدة على العراق العام 2003 أو العام 1991، أيضاً بدعم ومشاركة الأنظمة الرجعية العربية، أو تدخلات الولايات المتحدة العسكرية في طول الكرة الأرضية وعرضها على مدى عقود.