لماذا فرنسا والسويد

د. نسيب أبو ضرغم

أمام ما حدث في العاصمة الفرنسية، وما أعلنت عنه الحكومة السويدية من إحباطها عملية انتحارية كانت على وشك التنفيذ، يُطرح سؤال يحمل في طياته أبعاداً أساسية في طبيعة الأداة الداعشية.

والسؤال: لماذا ضرب الإرهاب الداعشي فرنسا بهذا الشكل غير المسبوق؟

ولماذا أيضاً يُعتبر السويد هدفاً له ويُعد لهذا الهدف ضربات إرهابية استطاعت أجهزة الأمن السويدية كشفها وإحباطها؟

على مدى القارة الأوروبية، تعتبر فرنسا الدولة الأقرب لمشروع داعش في المنطقة، فهي لم تغيّر مطالبتها برحيل الرئيس الأسد، إضافة إلى تشجيعها العلني الإرهاب الداعشي في سوريا، ودليلنا ما قاله وزير خارجية فرنسا لوران فابوس عند الحدود التركية السورية للإرهابيين وهم يعبرون الحدود باتجاه سوريا إذ وصفهم بـ«جنود الحرية»، وقد صافح بالتحديد قائد الدواعش الليبيين مثنياً عليه بأنه جندي من جنود الحرية.

فرنسا لم تغير موقفها، ولازالت حتى الساعة تطالب بما يتلاءم مع المؤامرة القاضية بتقسيم سوريا وتدميرها، في وقت لم تعلن أية دولة أوروبية موقفاً بمثل وقاحة الموقف الفرنسي. ورغم ذلك ضرب الإرهاب الداعشي باريس بما يشبه 11 أيلول باريسي.

في ما يتعلق بالسويد، فلم يسجل أن هذه الدولة قد أخذت مواقف حادة ومعادية ضد داعش تتميّز بها عن غيرها من دول العالم كافة، وهي في الأحوال كلها ليست على تماس مع ما يجري في سوريا والعراق، بشكل يجعل منها هدفاً لداعش.

إذن لماذا تمّ استهداف فرنسا والسويد؟

لقد وقفت فرنسا موقفاً متميزاً من قضية المسجد الأقصى، وطالبت ببوليس دولي لحمايته عبر تقدّمها باقتراح في هذا الموضوع إلى مجلس الأمن. لقد ثبتت فرنسا على موقفها، رغم الضغوط كافة، وفي طليعتها الأميركية، ولم تتراجع فرنسا وأبقت على اقتراحها أمام مجلس الأمن إلى أن جرى إسقاطه.

اليهودية العالمية، ترى أن الطلب الفرنسي فيه من المخاطر على المطامع اليهودية الكثير، فهو يشكل حداً دولياً يُعيق فعلاً حركة الاستيلاء على المسجد وبالتالي هدمه، إضافة إلى وضع «إسرائيل» في خانة الدولة المعاقبة والخارجة على الإرادة الدولية بنزوع إرهابي واضح، وهذا ما عمد الإعلام الصهيوني منذ نشأة «إسرائيل» إلى طمسه وإظهار الكيان المغتصب بأنه مهدّد من الإرهاب المحيط به. لم تغفر «إسرائيل» لفرنسا فعلتها، فهي تدرك أن إلقاء الضوء بقوة ومن أعلى منبر دولي على قضية المسجد، سيجرّ حتماً إلى إجراءات ستقدم عليها جهات أوروبية ترى فيها «إسرائيل» خسارة جسيمة لها، وليس ما طالب به الاتحاد الأوروبي من ضرورة دمغ المنتجات «الإسرائيلية» كافة بدمغة تحدّد مصدرها، إلا واحدة من هذه الإجراءات التي ستسبّب عشرات المليارات من الدولارات كخسائر على الاقتصاد «الإسرائيلي».

أما السبب الثاني: فهو في أن معدل الهجرة من القارة الأميركية إلى كيان العدو، قد وصل إلى معدلات دنيا، تريد اليهودية العالمية تعويض ذلك بالهجرة من أوروبا وخاصة فرنسا.

لنلاحظ بماذا صرّح نتنياهو فوراً بعد عملية «شارلي إيبدو»، ألم يدعو اليهود الفرنسيين للمجيء إلى «إسرائيل» مكانهم «الآمن»؟ فدعوة اليهود الفرنسيين بالمجيء إلى «إسرائيل»، أساسية في دعاية الهجرة اليهودية، وما جرى بعد أحداث العاصمة الفرنسية، هو عينه الذي جرى بعد حادثة «شارلي ايبدو»، حيث وجّه نتنياهو دعوة إلى اليهود الفرنسيين بالهجرة إلى «إسرائيل». فما هي علاقة اليهود بالذي جرى في فرنسا؟ ولم يكن اليهود مستهدفين على الإطلاق، بل كانت الدولة الفرنسية بمواقفها من الأقصى هي المستهدفة، ومع ذلك يكرّر نتنياهو دعوته.

وما جرى تجاه فرنسا، جرى بما يشبهه تجاه السويد، إذ لم تنس اليهودية العالمية موقف الدولة السويدية بالاعتراف بدولة فلسطين، ولا مواقف وزيرة الخارجية السويدية من إرهاب «إسرائيل» وظلمها لشعبنا.

بالنسبة لليهودية العالمية، فإن زمن عقاب فرنسا والسويد قد وقع، وها هو داعش صنيعة التحالف الصهيو أميركي – الغربي، يقوم بما يُطلب منه ويضرب بما يخدم مصلحة الصهاينة، ليكون ذلك ليس عقاباً يهودياً لفرنسا والسويد، بل أيضاً درساً لكل من يريد أن يسلك مسلك هاتين الدولتين.

لم يشفع لفرنسا موقفها المعادي للدولة السورية والشعب السوري كما أشرنا أعلاه، فضربت اليهودية العالمية ضربتها في قلب العاصمة الفرنسية، كما كانت قد أعدّت أيضاً للعاصمة السويدية.

إن المنظمات الإرهابية كلها، تعمل لمصلحة اليهودية العالمية، فراصد حركة هذه المنظمات وعملياتها، منذ 11 أيلول 2001 حتى يوم باريس الدامي، يتحقق من أن علاقة جبهة النصرة العلنية بـ«المخابرات الإسرائيلية» لا تختلف عن علاقة أية منظمة إرهابية أخرى بهذه المخابرات، منها ما هو معلن، ومنها ما هو مضمَر.

وبناء عليه:

نستنتج أن الرهان على ضرب داعش وأخواته بسلاح التحالف الأميركي، وهو غباء كامل. داعش هو سكين الغرب البتار، الذي يستعمله الغرب لتمزيق وحدة أرضنا وشعبنا وتدمير اقتصادنا، فأكثر من سنة مرّ على مسرحية الحرب الأميركية على داعش، وأثبتت شهور معدودة من التدخل الروسي الصادق، أنها كانت دعماً لمواقع داعش وحماية لها.

ومن هنا نستنتج أيضاً، أن حربنا طويلة، وأن جيوشاً وجماعات عديدة ستتواجه على الأرض السورية في معركة الحياة، ذلك أن هزيمة داعش وأخواته على أرض سوراقيا، هي هزيمة لكل من:

الإستراتيجية الأميركية – الغربية المتعلقة بالمنطقة.

سقوط المشروع اليهودي في أبعاده الاستراتيجية القاضية بقيام دولة إسرائيل من الفرات إلى النيل.

سقوط الأحلام الطورانية لدى أردوغان وأعوانه. من الخطأ أن نعتبر أن أردوغان يتصرف على قاعدة أنه من الاخوان المسلمين – أردوغان بيدق صهيو – غربي له مهمة يقوم بها هي تدمير سوريا أرضاً وشعباً ودولة واقتصاداً .

تكريس التعددية الدولية وقيام النظام الدولي الجديد.

إزاء هذه الانتصارات، هل يعقل أن التحالف الصهيو – اميركي، سيسمح بهذه البساطة أن يتحقق النصر التاريخي لأمتنا وللقوى الدولية المناهضة؟

لذلك، سوف نرى مشاهد أكثر اشتباكاً واحتشاداً ودموية، لكن النصر لن يكون إلا لشعبنا.

سوف نعيش عدداً من «ستالينغرادات».

اترك تعليقاً

زر الذهاب إلى الأعلى