الدولة الإسلامية بين البيعة وحروب الإلغاء
عامر نعيم الياس
غزوة دمشق، معركة دمشق، فتح دمشق، ساعة الصفر الأولى والثانية والثالثة، وصولاً إلى العاشرة ربما، لم تعد ذاكرتي تسعفني في تذكر ساعات صفر ميليشيات ريف دمشق المسلحة التي حاولت بتغيير ولاءاتها بين الجيش الحر والجبهة الإسلامية وجبهة ثوار سورية والمجالس العسكرية وإعادة التشكيل والاندماج، إعطاء بعد جدي لساعات الصفر التي لا ينطبق اسمها سوى على فعلها، لكن من دون جدوى. اليوم نحن في مواجهة حرب من نوع آخر بعد صمود دمشق وفشل كل محاولات خرقها، فالغوطة الشرقية التي تعتبر أحد أهم مرتكزات الرهان الإقليمي السعودي ـ «الإسرائيلي» تحديداً، على إسقاط الدولة السورية، دخلت في حرب إلغاء بين القوة المسيطرة على صورة المشهد هناك أو التي أريد لها قيادة العمل الميليشياوي الإرهابي في تلك المنطقة، أي الجبهة الإسلامية وجيش الإسلام تحديداً الذي يقوده زهران علوش، وبين عناصر تنظيم الدولة الإسلامية، داعش سابقاً، في مدينة دوما والريف المحيط بها، حيث من الواضح أن علوش ومشغليه باتوا يخشون من تمدد تنظيم الدولة الإسلامية قرب دمشق لحسابات تتعلق بالنفوذ على الأرض أولاً وبحسابات صافرة نهاية الحرب على سورية ثانياً، فالأنموذج المغري الذي قدمته الدولة في العراق، ومن ثم إعلانها لدولة الخلافة من شأنه أن يساهم في توسع الدولة الإسلامية وهو أمر غير مقبول حتى بالنسبة إلى الإدارة الأميركية التي تسعى بـ500 مليون دولار التي طالب بها الرئيس أوباما الكونغرس إلى المحافظة على خطوط التماس الحالية على وضعها ومنع داعش من التمدد أكثر كي لا تدفع إدارة أوباما إلى اعتماد خيارات قد تطيح برؤوس بعض حلفائها في المنطقة.
على خطٍ موازٍ وفي ريف دير الزور حيث «أراضي» الدولة الإسلامية، أعلنت أول من أمس في تسجيل مصور بيعة جديدة «للخليفة البغدادي والكف عن القتال» من قبل «فصائل وأهالي مدينة الشحيل والنملية والحربجي»، تطور يؤكد نجاح التنظيم في اجتذاب بيعات جديدة في مناطق وجوده اعتماداً على انتصاراته على الأرض، وهدفه السياسي من وراء إعلان دولة الخلافة.
إن التطورات السابقة في صورة المشهد المتوزعة بين ريفي دمشق ودير الزور تؤكد مجموعة خلاصات أهمها:
حرب الإلغاء بين الفصائل المنتمية إلى السلفية الجهادية في الغوطة الشرقية بدأت، وستكون أكثر دموية حتى من تلك المندلعة في أرياف حلب وإدلب وبعض المناطق الأخرى، لأسباب تتعلق بشكل أساس بالعامل الجغرافي ومناطق نفوذ التنظيمات المسلحة بالقرب من دمشق.
هذه الحرب ستساهم في استنزاف قدرات الدولة الإسلامية وجيش الإسلام إلى الحد الذي يريح الجيش السوري هذه الفترة من أعباء المواجهة اليومية في ريف دمشق خصوصاً في مناطق دوما وحرستا وكفر بطنا وعين ترما.
الحرب التي يقودها تنظيم الدولة في دوما تحديداً تهدف إلى استنزاف الجبهة الإسلامية أولاً، والبحث عن إنجاز ما لتعزيز القاعدة العددية للتنظيم في ريف دمشق ثانياً، من دون أن يعني ذلك قدرة تنظيم الدولة على تقليص نفوذ جيش الإسلام في مناطق وجوده لا سيما في دوما مسقط رأس قائده زهران علوش.
البيعات التي يحصل عليها داعش في مناطقه في شمال شرقي سورية ستساهم إلى حد كبير في انكفاء التنظيمات الأخرى وتزايد حدّة الانشقاقات في صفوفها، بما يساهم في تكرار سيناريو «الحر» في سورية، والذي أصبح عنواناً موجوداً على صفحات الإعلام أكثر منه فاعلاً على الأرض، وهنا لا بد من الإشارة إلى أن ريف دير الزور كان يعد حتى وقت قريب المعقل الأساس لجبهة النصرة، وبيعة الشحيل وجوارها توجه ضربة لنفوذ الفرع الرسمي للقاعدة في سورية، مع ما يحمله ذلك من تأكيد إضافي على صراع الوجود بين القاعدة القديمة والقاعدة الجديدة الممثلة بدولة الخلافة في سورية والعراق.
مما لا شك فيه أن داعش، وإن غيّرت اسمها، مستمرة في التقدم على أكثر من محور، وبين حروب الإلغاء «الجهاد القريب» بالمعنى والمصطلح الديني، واستمرار البيعات تحاول التنظيمات الأخرى الحفاظ على ما تبقى لها من نفوذ عبر استجداء الدعم المالي والعسكري.
كاتب سوري