– مبادرة الرئيس الأسد للحلّ قبل ثلاث سنوات – وجنيف ومشنقة المعارضة
ناصر قنديل
– في مثل هذه الأيام قبل ثلاثة أعوام وقف الرئيس السوري بشار الأسد أمام قيادات الهيئات والمنظمات الشعبية السورية عارضاً تصوّره للحلّ السياسي عشية الدعوة لعقد لقاء جنيف للمرة الأولى بين الحكومة السورية ووفد من المعارضة تشكّل وفقاً لقواعد ومعايير تشكيل الوفد الحالي ذاتها، وكان سقف الحوار ما عُرف ببيان جنيف الذي وضعه وزيرا الخارجية الأميركي والروسي، وما تضمّن من دعوة لقيام هيئة حكم انتقالي أوحت بالدعوة ضمناً إلى رحيل أو تنحّي الرئيس السوري.
– ثلاث سنوات شهدت فيها سورية استقدام عشرات الآلاف من الإرهابيّين من كلّ أصقاع الدنيا، تهديداً وتمهيداً لغزو عسكري تمثل بحضور الأساطيل الحربية الأميركية وجهوزيتها في صيف العام 2013، وصولاً إلى إعلان دولة «داعش»، والحضانة التركية والسعودية و«الإسرائيلية» العلنية لـ«جبهة النصرة» كفرع رسمي لتنظيم «القاعدة». ودارت الأيام واختُبرت الخيارات، وهُزمت المشاريع الأميركية والسعودية و«الإسرائيلية» والتركية التي قامت لفرض تفسير للحلّ السياسي يقوم على تنحّي الرئيس السوري، وبالتالي وضع اليد على سورية من بوابة تسليم المعارضة التي تنام في حضن الخارج مقاليد البلد الأهمّ في الشرق الأوسط، فصمدت سورية وصمد حلفاؤها، وتمّ إنجاز التفاهم على الملف النووي الإيراني، وتموضعت روسيا عسكرياً في سورية، وبدأ الهجوم المعاكس لسورية وحلفائها، وتدحرجت مفاهيم الحلّ السياسي نحو بيانات فيينا وصولاً إلى القرار الأممي 2254، وتتهيأ جنيف لاستضافة لقاء حوار جديد بين الحكومة السورية ووفد من المعارضة يشبه كثيراً وفد الأمس.
– يقوم القرار 2254 على الدعوة إلى حوار ينتج اتفاقاً على وقف النار وتأمين فرص لعودة النازحين وتشكيل حكومة وحدة وطنية تتولى وضع دستور جديد للبلاد تتمّ على أساسه انتخابات جديدة، وقد قام وزير الخارجية الأميركي جون كيري بتقديم التفسيرات التوضيحية للمعارضة حول مندرجات الحوار والقرار، بالقول إنّ المطروح هو حكومة في ظلّ بقاء الرئيس السوري بصلاحياته الدستورية، وإنّ الانتخابات التي سيكون متاحاً فيها الترشح للرئيس السوري ومَن يرغب بمنافسته ستقرّر مَن سيحكم سورية.
– في ما يلي نص ما قاله الرئيس الأسد قبل ثلاث سنوات مقدّماً تصوّره للحلّ السياسي، وما سيفاجئ القارئ أنه بالمفردات والتعابير شكّل مصدر الاستيحاء الرئيسي للقرار 2254 وبيانات فيينا، مع فارق تضمّن التصوّر الرئاسي درجة أعلى من الوضوح والتفصيل للمراحل من جهة، ومزيداً من التسامح السياسي والإنساني بالدعوة إلى العفو والمصالحة ضمن تصوّر الحلّ من جهة أخرى:
– إنّ الحلّ السياسي في سورية سيكون على الشكل التالي.
المرحلة الأولى:
– أولاً: تلتزم فيها الدول المعنية، الإقليمية والدولية، بوقف تمويل وتسليح وإيواء المسلحين بالتوازي مع وقف المسلحين للعمليات الإرهابية، ما يسهّل عودة النازحين السوريين إلى أماكن إقامتهم الأصلية بأمن وأمان، بعد ذلك مباشرة يتمّ وقف العمليات العسكرية من قبل قواتنا المسلحة التي تحتفظ بحق الردّ في حال تعرّض أمن الوطن أو المواطن أو المنشآت العامة والخاصة لأيّ اعتداء.
– ثانياً: إيجاد آلية للتأكد من التزام الجميع بالبند السابق وخاصة ضبط الحدود.
– ثالثاً: تبدأ الحكومة القائمة مباشرة بإجراء اتصالات مكثفة مع كلّ أطياف المجتمع السوري بأحزابه وهيئاته لإدارة حوارات مفتوحة لعقد مؤتمر حوار وطني تشارك فيه كلّ القوى الراغبة بحلّ في سورية من داخل البلاد وخارجها.
المرحلة الثانية:
– أولاً: تدعو الحكومة القائمة إلى عقد مؤتمر الحوار الوطني الشامل للوصول إلى ميثاق وطني يتمسك بسيادة سورية ووحدة وسلامة أراضيها ورفض التدخل في شؤونها ونبذ الإرهاب والعنف بكلّ أشكاله، بما يعني أنّ دعوة الحكومة للأحزاب وأطياف المجتمع هي لتحديد معايير هذا المؤتمر الذي سيُعقد في المرحلة الثانية، وبالنسبة للميثاق فهو ما سيرسم المستقبل السياسي لسورية ويطرح النظام الدستوري والقضائي والملامح السياسية والاقتصادية والاتفاق على قوانين جديدة للأحزاب والانتخابات والإدارة المحلية وغيرها…
– ثانياً: يُعرض الميثاق الوطني على الاستفتاء الشعبي.
– ثالثاً: تشكل حكومة موسعة تتمثل فيها مكوّنات المجتمع السوري وتكلّف بتنفيذ بنود الميثاق الوطني.
– رابعاً: يطرح الدستور على الاستفتاء الشعبي وبعد إقراره تقوم الحكومة الموسّعة باعتماد القوانين المتفق عليها في مؤتمر الحوار وفقاً للدستور الجديد ومنها قانون الانتخابات، وبالتالي إجراء انتخابات برلمانية جديدة، وكل ما يتعلق بالدستور والقوانين يمكن أن نضع قبله كلمة «إذا» أيّ إذا اتفق في هذا المؤتمر… مؤتمر الحوار على قوانين جديدة أو على دستور جديد تقوم الحكومة بالعمل على إظهارها.
المرحلة الثالثة:
– أولاً: تشكل حكومة جديدة وفقاً للدستور الموجود في ذلك الوقت.
– ثانياً: عقد مؤتمر عام للمصالحة الوطنية وإصدار عفو عام عن المعتقلين، بسبب الأحداث مع الاحتفاظ بالحقوق المدنية لأصحابها.
– ثالثاً: العمل على تأهيل البنى التحتية وإعادة الإعمار والتعويض على المواطنين المتضرّرين بالأحداث. وبالنسبة إلى العفو العام يكون مع الاحتفاظ بالحقوق المدنية لأصحابها، لأنّ الدولة يحق لها أن تعفو عن حقها، أو ما يُسمّى الحق العام، فلا يحق لها أن تعفو عن حقوق الأشخاص… وأعتقد إذا وصلنا إلى هذه المرحلة فلا بدّ أن يكون العفو عاماً ليس من قبل الدولة ولكن من أصحاب الحقوق وعندها عملياً نصل إلى المصالحة الوطنية والكلّ يسامح الكلّ.
– المعارضة التي لن تشارك في المؤتمر ستقول للسوريين وللعالم بعد كلّ ما جرى في سورية، إنها تتحمّل مسؤولية تحويل سورية ممراً ومقراً لأشدّ أنواع الإرهاب توحّشاً، وإنها لا تتعظ من العبر والوقائع والتجارب وقد باعت نفسها للشيطان، أم المعارضة التي ستشارك فعليها أن تفسّر للسوريين وللعالم لماذا تقبل اليوم ما رفضت قبوله قبل ثلاث سنوات، ولماذا يصير حلالاً ما كان حراماً قبل ثلاث سنوات، ومَن يتحمّل مسؤولية الدماء التي سالت والخراب الذي حلّ طيلة هذه الأعوام، لقبول ما كان متاحاً قبوله من قبل؟
– لن يجد الباحث عن تفسيرٍ لمواقف المعارضين سوى الفارق بهوية المشغّل والمموّل، فليس الرافضون عبثيّين ولا القابلون واقعيين، كلاهما عبد مأمور، والسيد المقرّر في ضفة لا يريد إلا العبث والخراب، وفي ضفة أخرى جزء من مشروع ليست فيه سورية إلا ساحة ضغوط وتجارب، وقد انتهى مفعولها وصارت أعباؤها أكبر من مردودها.
– لا يحق لأيّ من المعارضين التحدّث عن خيانة وطعن في الظهر، فكلهم يعلم أنه خرّب بلده ودمّر عمرانه تنفيذاً لحسد يسكن حكام الخليج تجاه سورية التاريخ والجغرافيا، أو ترجمة لحقد يسكن حكام أنقرة وباريس تجاه سورية التاريخ والجغرافيا، وأن لا شيء كان سورياً في ما فعلوه، ولا هو في ما سيفعلونه حضوراً أو مقاطعة.
– معارضة لا تستحق إلا مشنقة التاريخ.