المتحف العُماني يستعرض السلطنة عبر العصور… وصورة فتاة الماء تحصد الذهب عالمياً
عمّم اتحاد وكالات الأنباء العربية «فانا»، ضمن الملف الثقافي الشهري، تقريراً أعدّته وكالة الأنباء العُمانية عن المتحف الوطني الذي يقع في ظلال قلعتَي «الجلالي» و«الميراني» التاريخيتين، وإلى جوار سور مسقط القديم، ومقابل قصر «العلم العامر».
ولفت التقرير إلى أن المتحف الوطني بقاعاته الـ15، يسعى إلى إبراز الشواهد والمقتنيات المادية والمعنوية المكوِّنة لتاريخ السلطنة وتراثها وثقافتها وفنونها، والحفاظ عليها بتجلّياتها كلّها، وإبراز الأبعاد الحضارية والتاريخية والثقافية، مع توظيف أفضل الممارسات والمعايير المتّبعة في مجالات الإدارة المتحفية وإدارة المقتنيات والعرض.
وما بين حجر الصوّان متعدّد الاستخدامات في قاعة الحقب الزمنية والذي يرجع تاريخه إلى ما يقارب مليونَي سنة، وقاعة عصر النهضة العُمانية، وأوّل كرسي جلوس للسلطان قابوس بن سعيد عند تولّيه مقاليد الحكم عام 1970، يشاهد زائر المتحف حوالى ستة آلاف مفردة وتحفة أثرية تحويها قاعات العرض الثابت في المتحف، تؤرّخ لمختلف الحقب التاريخية لعُمان منذ بداية الاستيطان البشري وحتى الوقت الحاضر.
وتتوزّع تلك المفردات والتحف ما بين التحف الأثرية والصناعات الحِرفية والمخطوطات والوثائق والمراسلات والمطبوعات القديمة والطوابع البريدية، ومجسّمات للسفن والمراكب وأدوات الملاحة البحرية، والأسلحة التقليدية والمجسّمات المتحفية فائقة الدقة للقلاع والحصون والمباني التاريخية، واللقى المتصلة بالعمارة والآلات والأدوات والمعدّات الزراعية، وما يتصل بالأفلاج والنقود والعملات الورقية والمعدنية والخزف والأثاث والفنون التطبيقية، والصور الفوتوغرافية والفنون التشكيلية والآلات والأدوات الموسيقية. إضافة إلى مفردات التراث غير المادي، وهي ما يتصل بالطعام والشراب والشعر والقصص والرقص والغناء الشعبي، إضافة إلى التسجيلات المرئية والصوتية والمكوّنات التفاعلية الرقمية.
أقيم المتحف الوطني بناءً على توجيهات السلطان قابوس بن سعيد بإنشاء معْلم ثقافيّ يحتضن مفردات التراث الثقافي العُماني بشقّيه المادي والمعنوي، وتوظيف أفضل الممارسات والمعايير المتحفية المتّبعة واعتمادها.
تبلغ المساحة الإجمالية لأرض المتحف 24 ألف متر مربّع، والمساحة الإجمالية للمبنى 13700 متر مربّع، والمساحة الإجمالية لقاعات العرض الثابت 4 آلاف متر مربّع. وخلال الفترة من 2010 إلى 2014، شهد المتحف دعوة 30 خبيراً وباحثاً من داخل السلطنة وخارجها، واستعين بـ21 بعثة أثرية لإعداد مكنونات قصة السرد المتحفي وتطويرها. وشهد المتحف خلال الفترة الماضية ابتعاث عدد من الموظفين للتدريب والتأهيل المهني خارج السلطنة واستضافة دورات تخصصية في مجال العمل المتحفي من قبل مؤسسات عالمية مثل متاحف «تيت» من المملكة المتحدة ومتاحف «سميث سونيان» من الولايات المتحدة الأميركية ومؤسسة «كالوست غبولبيكان» من جمهورية البرتغال.
ويهدف المتحف الذي يقف متآلفاً مع ما يحيط به من مقوّمات سياحية وثقافية وتاريخية إلى تحقيق رسالته التعليمية والثقافية والإنسانية وإلى ترسيخ القيم العُمانية النبيلة وتفعيل الانتماء والارتقاء بالوعي العام لدى المواطن والمقيم والزائر من أجل عُمان وتاريخها وتراثها وثقافتها، وتنمية قدراتهم الإبداعية والفكرية، لا سيما في مجالات الحفاظ على الشواهد والمقتنيات وإبراز الأبعاد الحضارية في عُمان. كما يهدف المتحف الوطني أيضاً إلى المحافظة على مكنونات التراث الثقافي العُماني من خلال دعم الأبحاث والدراسات العلمية والتاريخية والخطط للحفظ والصون الوقائيين، إذ صمّمت مرافقه وفق معايير المجلس الدولي للمتاحف، إضافة إلى التعليم والتواصل المجتمعي الذي يتحقّق من خلال مركز التعليم المتحفي الذي يقدّم الخدمات التعليمية المتميزة لكافة الزوار ومختلف الفئات العمرية، خصوصاً للأطفال والطلاب، ومن خلال تقديم خدمات الزوّار المتميزة وللفئات الخاصة.
ويتميّز المتحف الوطني بأنه أول مبنى عام في السلطنة يضمّ تسهيلات متقدّمة لذوي الإعاقة ومنهم المكفوفون وذوو الإعاقة الجسدية، من خلال توظيف رموز لغة «برايل» بالعربية، وتوظيف العرض المكشوف حتى يمكن التفاعل مع المقتنيات بشكل حسّي مباشر. وهو أوّل متحف في الشرق الأوسط يقوم بتوظيف رموز «برايل» العربية في سياق التفسير المتحفي ومنظومة المخازن المفتوحة، إذ يستطيع الزائر أن يشاهد المراحل التي تمر بها التحف الأثرية ويعايشها، من جرد وتوثيق وفحص مبدئي وحفظ وصون، وصولاً إلى مرحلة حفظها بالشكل الموقت في المخازن المفتوحة وما كان سابقاً يتم خلف الكواليس سيكون في المتحف الوطني متاحاً للمشاهدة بشكل ثابت ومتواصل.
يشير التقرير إلى أنه لدى إعداد قصّة السرد المتحفي روعِيَ التوفيق بين السياقين الزماني والمكاني، وهو أحدث توجّه فلسفي يؤطر لسياق قصة السرد المتحفي المتبع حالياً بخلاف التوجه التقليدي، إما أن يكون توجهاً زمانياً من الأقدم إلى الأحدث أو من الأحدث فالأقدم، حيث يعمل التوجه الجديد على إيجاد قيمة معنوية وفكرية مضافة للزائر وستفتح آفاقاً جديدة لقراءة مدلولات التراث الثقافي العُماني وفق آلية لم يعهدها سابقاً.
قاعة «الأرض والإنسان»
وعبر القاعات الـ15 التي يضمّها المتحف، يدخل الزائر في رحلة عبر الزمان والمكان، يشعر فيها بعظمة المنجز الحضاري العُماني وكيف عاش إنسان عُمان وأبدع وتفاعل مع مختلف الحضارات، بدءاً من القاعة الأولى عند المدخل الرئيس وهي قاعة «الأرض والإنسان»، حيث تواجهك على الجهة اليمنى شرفة عُمانية تقليدية تطلّ من الطابق الثاني، وهي تحاكي نظام الشرفات في العمارة العُمانية بلونها الأزرق الفاتح الذي يعبّر عن إطلالتها على البحر. وعلى الجهة الأخرى تطلّ مؤخرة سفينة عُمانية من نوع «الغنجة» موجودة بحجمها الحقيقي وهي أقرب إلى سفينة «فتح الخير» التي تقف شامخة حالياً على شواطئ مدينة صور العُمانية التاريخية.
وتضمّ قاعة «الأرض والإنسان» الصناعات الحِرفية العُمانية التي تعدّ تجسيداً ملموساً للدولة وشعبها في الماضي والحاضر، ذلك لأنها توثق مختلف أنماط الحياة في السلطنة، وتعبّر كذلك عن القيم الثقافية التي تشتهر بها، من ضمنها الإسلام وكرم الضيافة والجود والترابط الاجتماعي. ويُعرَض هذه القاعة كيف أن جغرافية الامكنة والموارد المتوفرة قد شكلت عدداً من الثقافات على المستويين المحلي والوطني. وتركّز هذه القاعة أيضاً على أهمية الموارد المائية في السلطنة وما تفرضه حياة الصحراء على سكانها، إضافة إلى ثراء الواحات وعزلة الجبال، كما توضح التعدّدية الثقافية في المناطق الساحلية.
وتوضح قاعة «الأرض والإنسان» المسار من الحاجة إلى الفنّ من خلال عرض الأزياء التقليدية والحِليّ وكذلك الأسلحة المستخدمة في المناسبات الرسمية، وغيرها من الصناعات الحِرفية التي تلبّي الحاجات الأساسية للبقاء. إضافة إلى كونها من الأولويات الفردية والجماعية التي تعكس مظاهر الزينة والهوية والتعابير الدينية.
قاعة «التاريخ البحري»
ثم تأخذك الرحلة إلى قاعة «التاريخ البحري» والقاعات الأخرى التي تشمل أيضاً قاعة «السلاح»، قاعة «المنجز الحضاري»، قاعة «الأفلاج»، قاعة «العملات»، قاعة «الحقب الزمنية»، قاعة «ما قبل التاريخ والعصور القديمة»، قاعة «بات والخطم والعين»، قاعة «أرض اللبان»، قاعة «عُمان والعالم»، قاعة «عظمة الإسلام»، قاعة «عصر النهضة»، قاعة «التراث غير المادي» إلى جانب وجود قاعة مخصّصة للمعارض الموقتة صُمّمت وفق الضوابط والمعايير المتبعة عالمياً لهذا النوع من المنشآت، وقاعة «المقتنيات» المخزن المفتوح التي تتيح للزائر التعامل مع القطع المتحفية بشكل مباشر تحت إشراف خبير متخصّص.
في قاعة «التاريخ البحري»، يظهر بجلاء علاقة عُمان الوطيدة بالبحر. فمع سواحلها مترامية الأطراف يبقى التاريخ العُماني تاريخاً بحرياً بامتياز، إذ أبحر العُمانيون لقرون مضت على طول هذه السواحل بحثاً عن لقمة العيش، وارتحل التجار العُمانيون حاملين بضائعهم عبر البحار والمحيطات منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد.
وتوضح المعروضات أنّ العُمانيين في العصر الإسلامي كانوا جزءاً من شبكة تجارية واسعة النطاق تمتد من الصين إلى شرق أفريقيا. مشكّلة بذلك أطول طريق تجاري بحري معروف في ذلك الوقت. وخلال القرون الأربعة الأخيرة ساهم العُمانيون في تأسيس امبراطوريتين بحريتين ربطتا عُمان بالخليج العربي وساحل مكران وشرق أفريقيا.
وتشير المفردات المعروضة إلى أن هذا النشاط أدّى إلى إيجاد ثقافة بحرية لعُمان، فما أن ارتاد العُماني البحر حتى أصبح نابغةً في الملاحة وكاتباً لأفضل الأدبيات في علم الملاحة البحرية، وصانعاً لأنواع شتى من المراكب، مستخدماً ما توفّر بين يديه من مواد وأدوات. واليوم تواصل عُمان علاقتها بالبحر ممثلة في أسطولها العصري وموانئها المزدهرة وكذلك في إحياء موروثها البحري القديم حتى أصبحت في طليعة دول المنطقة في هذا المضمار. فالسفن والمراكب التقليدية ما هي إلا رمز من رموز علاقة عُمان بباقي العالم.
قاعات أخرى
وتتناول قاعة «السلاح» الأبعاد الحضارية والثقافية للسلاح التقليدي في عُمان منذ عصور ما قبل التاريخ وحتى بدايات القرن العشرين. كما تستعرض تطوّر تقنيات تصنيعها نتيجة التواصل مع العالم الخارجي، وتنقسم القاعة إلى قسمين هما: قسم الأسلحة التقليدية ويتضمّن السيوف و«الكتارات» والرماح والفؤوس والسهام والخناجر العُمانية، أما القسم الثاني فهو عن الأسلحة النارية بأنواعها كافة. وقد صُمّمت هذه القاعة بما يتناسب والسياق الموضوعي للمعروضات، إذ إنها مستوحاة من أحد برجَي «حصن الحزم» في محافظة جنوب الباطنة الذي أنشئ في القرن السابع عشر، في عهد دولة أئمة اليعاربة، حيث تزامن بناؤه مع قيام الامبراطورية العُمانية الأولى.
وتحتفي قاعة «المنجز الحضاري» بالتنوع المعماري في السلطنة منذ الألف الثالثة قبل الميلاد حضارة مجان وحتى الوقت الحاضر، أي مسيرة خمسة آلاف سنة، من خلال استعراض نماذج متحفية منتقاة للعمارة التقليدية من قلاع وحصون وبيوت تاريخية ومساجد. وتحتوي القاعة على ستة أقسام، يتناول القسم الأوّل موقع قلعة «بهلا» وواحتها، وهو أوّل موقع في عُمان تدرجه منظمة «يونيسكو» ضمن قائمة التراث العالمي عام 1987، أما القسم الثاني فيصف أهم العواصم السياسية لعُمان مثل صحار والرستاق ونزوى ومسقط.
وفي القسم الثالث يتم تناول عدد من القلاع والحصون العُمانية المتميزة بأنماطها المعمارية وخصوصيتها التاريخية. والقسم الرابع يوضح القصور الريفية والبيوت المحصّنة. أما القسم الخامس فيوضح أنماط البيوت السكنية التقليدية في محافظات السلطنة، ويتناول القسم السادس الأبعاد الجمالية للعمارة التقليدية في عُمان، ويشاهد في هذا القسم «بيت فرنسا» في مسقط الذي يعود إنشاؤه إلى القرن التاسع عشر، ومسجد «الشواذنة» في ولاية نزوى كنموذج للمساجد العُمانية التقليدية، و«البيت العود» في إبراء، و«بيوت القفل» في محافظة مسندم، ومجسّم لـ«حصن الخندق» في البريمي، وآخر لقلعة «بهلا».
وتضمّ «قاعة الأفلاج» منظومة الأفلاج العُمانية ومن بينها الأفلاج العُمانية الخمسة التي أدرجتها «يونيسكو» ضمن لائحة التراث العالمي عام 2006، تعبيراً عن المكانة الدولية لهذا النظام المائي الفريد الذي يشكل موروثاً حضارياً أبدعه العُمانيون كأقدم هندسة ريّ في المنطقة. وهي أفلاج «دارس» و«الخطمين» و«الميسر» و«الجيلة». وهناك حوالى 3000 فلج حيّ لا تزال قيد الاستعمال في ربوع السلطنة، ويستخدم هذا النظام الجاذبية الأرضية لتسيير المياه في قنوات مصادرها الثمينة تحت الأرض أو على سطحها لمسافات طويلة غالباً، وتحمل مثل هذه القنوات المياه الجوفية بواسطة العيون أو المياه السطحية لاستخدامها في الزراعة والصناعة أو للاستعمالات اليومية الأخرى.
وتعود منظومة الأفلاج في عُمان إلى حوالى القرن السادس. وتشير الاكتشافات الأثرية الحديثة إلى أنّ أنظمة الريّ كانت تستخدم في شمال عُمان منذ العصر البرونزي 3100 ـ 2000 ق. م ولا تزال الأفلاج إلى يومنا هذا تقسّم حصص مياهها بشكل عادل في المدن والقرى، وذلك عن طريق الأعراف والسنن وفقه الأفلاج.
ومن بين قاعات المتحف الوطني، قاعة «العملات» التي تقدّم نظرة إلى تاريخ النقود في السلطنة منذ ظهور النقود المعدنية الأولى، ووصولاً إلى أحدث التقنيات المصرفية الرقمية، إذ تعطي المقتنيات الموجود في القاعة انطباعات فريدة في فهم العلاقة المتغيّرة لعُمان مع بلدان العالم، وكذلك في طبيعة تشكّل الهوية الوطنية. ويمتدّ تاريخ النقود في عُمان قرابة 2300 سنة، إذ صُكت معظم العملات المعروضة في القاعة وطُبعت في الخارج، ووجدت طريقها إلى عُمان من خلال التبادل التجاري. كما أنّ عدداً منها شكّل جزءاً من كنوز كانت مخبأة منذ مئات السنين ولم يستردّها أصحابها أبداً. لقد كان المقدونيون أوّل من أدخل النقود المعدنية إلى إقليم عُمان في القرن الرابع قبل الميلاد، وصُكّت أقدم تلك النقود خلال العصر الحديدي المتأخر.
قاعة «الحقب الزمنية» تضمّ لقى وكتابات من فترات زمنية تاريخية مختلفة، ثمّ نبحر في قاعة «ما قبل التاريخ والعصور القديمة» لنشاهد لقى تغطّي مليوني سنة من الإرث البشري في عُمان لثلاث حقب زمنية رئيسة هي: العصر الحجري القديم، العصر البرونزي، والعصر الحديدي. إذ تتضمّن لِقى العصر الحجري الدلائل الأولى على الاستيطان البشري. أما لقى العصر البرونزي فتسلّط الضوء على التحوّل الاجتماعي الاقتصادي الهائل خلال الألفية الرابعة قبل الميلاد. وكذلك ظهور حضارة «مجان» الغنية بالنحاس، كما توجد لقى من «سلوت» وأخرى تمثل حقبة الوجود «الساساني» و«البارثي».
ومن بين المعروضات في هذه القاعة، «مبخرة مجمر»، عثر عليها في «رأس الجنز» في نيابة «رأس الحد» التابعة لولاية صور في محافظة جنوب الشرقية، صنعت من حجر جيريّ يعود إلى العصر البرونزي الأوسط 2500 ـ 2000 ق. م ، وإناءان شعائريان على شكل حصانين من البرونز عثر عليهما في نيابة «سمد الشأن» في محافظة شمال الشرقية، و«سمائل» في محافظة الداخلية، منشؤهما إيران ويعود تاريخهما إلى حقبة سمد 300 ق.م ـ 793 م ، وفي هذه القاعة أيضاً قسم لحضارة «مجان» التي اشتهرت بتعدين النحاس، وعثر على دلائل واضحة على ورود بعض السلع إليها من الخارج بما وُجد من جِرار فخارية تعود إلى حضارة بلاد الرافدين.
وفي قاعة «بات والخطم والعين» التي سمّيت بذلك نسبة إلى المواقع التاريخية العُمانية المدرجة في لائحة التراث العالمي لـ«يونيسكو»، التي تضمّ مدافن «بات» و«وادي العين» و«الخطم»، يوجد مجسّم طبيعي بأحجام ومقاسات وأبعاد حقيقية لتلك المدافن التي يمكن مشاهدتها في موقع «بات» في ولاية «عبري»، ويعود عمر تلك المدافن إلى 4000 سنة.
وتضمّ منطقة «بات» الشاسعة 350 مدفناً حجرياً، إضافة إلى مستوطنة سكنية كبيرة، بينما تتكوّن منطقة «العين» من 21 مدفناً على شكل خلايا النحل وهي محفوظة بشكل ممتاز، أما «الخطم» فتتميز ببرج حجري معقّد مبنيّ بإتقان ويعود إلى الألفية الثالثة قبل الميلاد.
وفي قاعة «أرض اللبان»، نشاهد مواقع «أرض اللبان» الأربعة في محافظة «ظفار» المرتبطة بتجارته منذ الألفية الثالثة قبل الميلاد من عُمان إلى بلاد الرافدين ووادي السند ومصر الفرعونية، والتي أدرجتها «يونيسكو» في قائمة التراث العالمي. وهي مدينة «البليد» ومدينة «خور روري» سمهرم ومدينة «شصر» أوبار ووادي «دوكة». وتتميز هذه القاعة بوجود ثلاثة شواهد قبور أعيرت من متحف «فكتوريا وآلبرت» في بريطانيا، اثنان منها يعودان للسلطان المظفّر الرسولي في ظفار، وعمرهما يزيد على 800 سنة ويُعرَضان للمرّة الأولى في السلطنة.
وتسلّط قاعة «عَظمة الإسلام» الضوء على العلاقة الوطيدة بين عُمان والدين الإسلامي الحنيف التي تمتد على مدى 14 قرناَ من الزمن. ويتناول أحد أقسام هذه القاعة الفنون وما يتصل بها من التكيّف والتجديد، ويتتبع التأثير الفنّي وخصائصه ومنها الخط العربي والزخارف الهندسية والزخارف النباتية وفن «آرابيسك» وتصوير الكائنات الحيّة.
وفي قاعة «عُمان والعالم» يلاحظ تنسيق عناصرها إلى أقسام متناسبة وفق التسلسلين الزمني والموضوعي، إذ تتناول مجمل العلاقات التاريخية بين عُمان والدول الأخرى منذ نشأتها وحتى أواخر القرن العشرين.
وفي قاعة «عصر النهضة» تتجلّى أهم المراحل التاريخية التي عاشتها عُمان في عصرها الحديث. وهو العصر الذي انتقلت فيه البلاد من حقبتها الماضية إلى عصر دولة المؤسسات الحديثة، الذي شهد عدداً من التغيّرات في مختلف مجريات الحياة وفقاً لما رسمه لها باني نهضة عُمان الحديثة السلطان قابوس بن سعيد. كما تركّز مقتنيات القاعة على أسرة «بوسعيد» الحاكمة.
وتقدّم هذه القاعة عبر منظومة رقمية تفاعلية افتراضية باللغتين العربية والإنكليزية معلومات حول السلطان وعَلم الدولة والراية السلطانية والشعار الوطني والنظام الأساسي للدولة. ويعرض هذا الركن أوّل كرسي جلوس للسلطان عند تولّيه مقاليد الحكم عام 1970، إضافة إلى معلومات أخرى تتعلق بعصر النهضة العُمانية بالصوت والصورة.
ومن ذلك التاريخ الموغل في القِدم، يتجوّل الزائر في قاعة «التراث غير المادي» التي تضمّ مفردات الموسيقى التقليدية العُمانية وثلاث شاشات تجعل الزائر يبحر في فضاءات الموسيقى التقليدية العُمانية وأنواعها صوتاً وصورة. كما تأخذه إلى أشهر الأكلات العُمانية التقليدية. فيما تأخذه الشاشة الثالثة إلى الاستمتاع بفنّ «البرعة» الذي أدرجته «يونيسكو» ضمن لائحة التراث الإنساني غير المادي. وتضمّ القاعة أيضاً معلومات عن الخيل والهِجن العُمانية الأصيلة ومفرداتها.
ويحتضن المتحف أيضاً قاعة «المقتنيات» التي تتيح للزائر التعامل مع القطع المتحفية بشكل مباشر، بإشراف خبير متخصّص. وباقي القاعات التي سيشاهدها الزائر تمكّنه من التفاعل مع مقتنيات تم ترميمها وتأهيلها وعرضها وإبرازها بشكل متكامل.
ويحتوي المتحف على مركز تعليمي، وقاعة محاضرات مجهزة تجهيزاً متكاملاً، وشاملة منظومات لذوي الإعاقة، وللطلبة من مختلف الفئات العمرية. كما يضمّ المتحف مركزاً للحفظ والصون، وهو الأوّل من نوعه على مستوى الشرق الأوسط، ومرافق تخصّصية لدعم برنامج إدارة المقتنيات، من مخازن وورش عمل ومعامل، علاوة على الجانب الخدمي المتمثل في إنشاء مطعم ومقهى ومحل هدايا تذكارية.
وحتى تتفاعل الأسر والأطفال مع مرافق المتحف، خُصّصت مجموعة من القاعات تتيح لهم ممارسة عدد من التمارين والألعاب التثقيفية، إضافة إلى قاعة سينمائية توظف تكنولوجيا ثلاثية الأبعاد لعرض الأفلام الوثائقية ذات المدلول الثقافي الغزير الذي يتناول مجمل التاريخ العُماني. وسيكون للمتحف لاحقاً موقع على الإنترنت، إذ سيتاح المجال للباحثين والدارسين للاطّلاع على الأبحاث والدراسات المتاحة في هذا الجانب والتعرّف عن كثب إلى هذه المفردات. والتنسيق جارٍ مع عدد من المؤسسات العالمية المتحفية في بريطانيا والبرتغال وفرنسا وروسيا الاتحادية في خصوص تبادل المعارض الموقتة، وما ستكون عليه. وذلك في إطار اتفاقيات التفاهم مع المؤسسات المتحفية العالمية.
فتاة الماء
«فتاة الماء»، صورة التقطها الفنان العُمانيّ هيثم الفارسي، وحصدت ميداليات ذهبية. هي صورة فتاة ريفية من نيبال تحمل الماء في قنانٍ وتنقله لإخوتها وأهلها في يوم ملبّد بالغيوم. كانت تحمل الماء في جوء مليء بالماء بحالاته الكيميائية كلّها. التقط هيثم الذي يهوى القبض على اللحظة الزمنية تلك الصورة التي تعطي أبعاداً ودلالات كثيرة، بعدما ساقته الصدفة في الوقت والمكان المناسبين لحظة مرور هذه الفتاة، وبحسّه الفني استشعر اللحظة المناسبة والتقط الصورة قبل أن يتغيّر المكان وتتبدّل المشاعر.
بعد ظهور الصورة أصبح لها شأن آخر، هذه الصورة لم تكن كغيرها، فقد لامست جوانب إنسانية وكشفت أبعاداً جمالية أدركتها عيون خبراء التصوير حول العالم فأصبحت أكثر صورة حصداً للذهب في المسابقات الدولية.
مؤخراً، فازت صورة «فتاة الماء» بالميدالية الذهبية في مسابقة «صوفيا» الدولية للتصوير الضوئي التي أقيمت في بلغاريا، وتربّعت على عرش المركز الأوّل في «محور الماء شريان الحياة» التي اشترط فيها أن تكون الصورة معبّرة عن الماء وأثره في حياة الناس من بحار وأنهار وأمطار وأودية، وهذا ما توفّر فيها من بين أكثر من 6000 صورة لـ500 مصوّر من 65 دولة مختلفة شاركوا في المسابقة، وكانت «فتاة الماء» الأوفر حظّاً بينها.
«فتاة الماء» حقّقت عام 2015 جوائز دولية ذهبية وفضية وبرونزية وشرفية، وبذلك تكون أكثر صورة لمصور عُماني حصداً للذهب في المسابقات الدولية التي يرعاها الاتحاد الدولي لفنّ التصوير «فياب».