التهديد السعودي ـ التركي بين القدرة والتهويل
إبراهيم ياسين
يبدو من الواضح أنّ الدول المتآمرة في الحرب الإرهابية ضدّ سورية، بدأت تحصد نتائج فشلها في تحقيق أهدافها من هذه الحرب، وينعكس هذا الفشل في عمق مآزقها المتعدّدة داخلياً على مستوى الأوضاع الإقتصادية والإجتماعية، أو على المستوى السياسي الإقليمي والدولي. ويمكن القول غنّ الأكثر تأزماً من هذه الدول، هما الحكومتان السعودية والتركية اللتان ذهبتا بعيداً في رهاناتهما على إسقاط الدولة الوطنية السورية، ولم تضعا في الحسبان احتمالات الخسارة والفشل، وبالتالي التكيّف مع التطورات والتبدّلات في موازين القوى الإقليمية والدولية.
ويتبدّى هذا المأزق السعودي – التركي هذه الأيام في العجز عن التأثير في مجريات التطورات الميدانية على الساحة السورية والتي تؤشر إلى اقتراب الجيش العربي السوري وحلفائه من إقفال الحدود التركية السورية، وبالتالي توجيه ضربة قاضية لما تبقّى من رهانات تركية سعودية على إبقاء جبهة شمال سورية جرحاً نازفاً في خاصرة سورية لانتزاع تنازلات سياسية لمصلحة القوى الإرهابية التكفيرية الموالية لهم.
والسؤال الذي يطرح في ضوء ذلك، هل كان في مقدور أنقرة والرياض إعاقة هذه التحوّلات الميدانية، واستطراداً الحيلولة دون عقد «جنيف 3» وفق ما تقرّر في لقاءات فيينا وقرار مجلس الأمن رقم 2254. وبالتالي الوقوف في وجه الإتفاق الروسي – الأميركي الأخير لإحياء مسار المفاوضات السياسية لحلّ الأزمة السورية؟
من الواضح أنّ كلاً من تركيا والسعودية تعانيان من أزمات داخلية تجعل قدرتهما على التأثير على الإتفاق الروسي – الأميركي ضعيفاً جداً، هذا على افتراض أنهما لن تتأثرا بالموقف الأميركي الذي لا يريد الذهاب إلى المواجهة مع روسيا والذي رسم حضورها النوعي في سورية توازناً عسكرياً استراتيجياً، وبالتالي خطوطاً روسية حمراء في مواجهة أيّ مغامرة عسكرية تفكر في الإقدام عليها دول حلف الناتو.
ومن المعروف أنّ أنقرة والرياض لا تملكان قدرة على الذهاب بعيداً في محاولة تنفيذ هجوم عسكريّ لدعم الجماعات الإرهابية المسلحة لإنقاذها من الهزيمة النهائية في حلب وإدلب من دون موافقة أميركية وغطاء من حلف الناتو، ولذلك طالما أنّ الموقف الأميركي الغربي يرفض الاصطدام مع روسيا فهذا يعني أنّ التلويح التركي السعودي بالقيام بعملية برية في سورية لا يعدو كونه مجرّد تهويل. وما القصف التركي لمواقع وحدات الحماية الكردية قرب مدينة أعزاز، ما هي إلا محاولة لحماية الجماعات الإرهابية المسلحة في هذه المدينة الحدودية من الهزيمة ورفع معنوياتهم للإبقاء على هذه المدينة تحت سيطرتهم، وبالتالي الحفاظ على استمرار تدفق السلاح والمسلحين عبرها إلى الشمال السوري.
كما أنّ كلاً من تركيا والسعودية تدركان جيداً أنّ الدخول في مغامرة عسكرية في سورية من دون توافر غطاء من حلف الناتوسوف يؤدّي إلى اصطدامهما مع كلّ من روسيا وإيران اللتين تقفان إلى جانب سورية في الحرب ضدّ قوى الإرهاب، مما يشكل تعميقاً لمأزقهما الداخلي، لا سيما أنّ روسيا قد وجهت إنذاراً شديد اللهجة من مغبّة أيّ هجوم بري تركي – سعودي باعتباره عدواناً، وهو ما يعني أنّ روسيا ستردّ على هذا العدوان، وتدفيع أنقرة والرياض الثمن وتهديد استقرارهما الداخلي.
فمن المعروف أنّ تركيا اليوم تعاني من فقدان الاستقرار الداخلي نتيجة حربها ضدّ حزب العمال الكردستاني الذي يسيطر على العديد من المحافظات في شرق الأناضول، فيما بدأ الإرهاب يرتدّ على الداخل التركي من خلال التفجيرات التي شهدتها اسطنبول وأدّت إلى ضرب السياحة وإلحاق الخسائر الجسيمة بالاقتصاد التركي.
أما السعودية فهي تعاني اليوم من فشل حربها في اليمن وهي غارقة في مستنقع من الاستنزاف أدّى بها حتى الآن إلى خسائر كبيرة مادية وبشرية تمثلت في مقتل وجرح المئات من الجنود السعوديين ومرتزقتها من ناحية، وكذلك ارتفاع كلفة الحرب التي بلغت أكثر من 100 مليار دولار في الأشهر العشرة الأولى من الحرب، وعجزاً في الموازنة بلغ 98 مليار دولار، ومما زاد الطين بلة تراجع أسعار النفط العالمية إلى مستويات قياسية مما انعكس تراجعاً في مداخيل السعودية، مما يفاقم من أزماتها المالية والإقتصادية والإجتماعية.
من هنا فإنّ أيّ قراءة موضوعية لموازين القوى والتطورات الجارية على الصعيدين الميداني والسياسي. وكذلك الأزمات التي تعاني منها الدول المعادية لسورية تؤشر إلى أن لا إمكانية في الأفق لحرب إقليمية دولية انطلاقاً من سورية، وأنّ الاتجاه العام لمسار الأحداث سيكون محكوماً من ناحية باستمرار تقدّم الجيش العربي السوري وحلفائه في الميدان، ومن ناحية ثانية بمواصلة الجهود السياسية لحلّ الأزمة والمستمدّة من المصلحة الأميركية التي عبّر عنها مؤخراً وزير الخارجية الأميركي جون كيري عندما نصح معارضة الرياض بـ«اغتنام الفرصة والانخراط في العملية السياسية على أساس مقرّرات مجلس الأمن وفيينا قبل فوات الأوان»… وقبل سيطرة الجيش العربي السوري على ما تبقى من مناطق خاضعة لسيطرة الجماعات الإرهابية. وتأكد هذا التوجه الأميركي بعد فشل اجتماع جنيف الأخير، وعدم النجاح في محاولة ثني روسيا وسورية عن التمسّك بشروط عقد مؤتمر جنيف وفق ما اتفق عليه في قرار مجلس الأمن، واضطرار كيري إلى الاتفاق مجدّداً مع نظيره الروسي سيرغي لافروف في ميونيخ لإعادة إحياء مسار المفاوضات من جديد.
إذاً، انطلاقاً مما تقدّم يمكن القول إنّ التهديد السعودي التركي بعمل عسكري ما هو إلا تهويل في محاولة للحيلولة دون انهيار ما تبقى من وجود ورصيد للجماعات الإرهابية المسلحة في شمال سورية.