«إسرائيل»: حزب الله يكشف ورقته الكبرى…
روزانا رمّال
معادلة دقيقة أطلقها السيّد حسن نصرالله في خطابه الأخير تكفّلت بتغيير مسار الملفات العالقة في المنطقة، ووضع الأمور في نصابها، وهو خطاب فيه من الحزم ما يكفي ليشكل رسالة محكمة لخصوم إيران، وخصوصاً الحلف الأكثر تضرّراً من توقيعها الاتفاق النووي مع الغرب، ومن استمرار تقدّم علاقاتها مع الأوروبيين بشكل خاص، وهو المحور «الإسرائيلي» التركي السعودي الذي لن يفوّت فرصة للتأثير دراماتيكياً في الحرب السورية ضمن عنوانين أساسيّيْن… الأول تحجيم نتائج الاتفاق النووي عن طريق إضعاف تداعياته بإضعاف الموقف السوري ومعه موقف ونفوذ إيران في سورية وما يعنيه بشكل مباشر الموقف الإيراني في اليمن، والثاني تقييد حزب الله وهزمه بعد استنزافه في الأزمة السورية بالحساب «الإسرائيلي» بشكل خاص.
تطرّق السيّد نصرالله في الخطاب المخصّص لذكرى الشهداء القادة الى نيات التدخل السعودي – التركي المباشر في سورية واللغة التصعيدية التي تحدّث فيها بما يشكل ترحيباً مبطناً بتدخل من هذا النوع على طريقة الاستفزاز المتعمّد للمعنيين ينمّ عن جهوزية لدى الحزب لأسوأ الاحتمالات والتقديرات في الأزمة السورية، وهو نسف لكلّ مزاعم ضعف عزيمة حزب الله وكوادره وقدراته المالية واللوجستية التي رُوّج لها طيلة الأزمة، والتي تعني «إسرائيل» بشكل مباشر كمقدرات كان من المفترض بالأزمة السورية أن تكون قد تكفلت بإتلافها.
يقول السيد نصرالله للسعوديين والأتراك و»الإسرائيليين» معاً إنّ هذا التدخل يتكفّل بحلّ أزمة المنطقة، ما يعني أنّ الحزب جاهز لخوض معركة تتخطى الحدود الجنوبية اللبنانية لتدخل معركة تحرير الأراضي الفلسطينية ولا تفسير آخر يفترض أنّ حلاً لأزمة المنطقة سوى حلّ الملف الفلسطيني وتسكير هذا الصراع، بحسب السيّد نصرالله.
تدرك «إسرائيل» أنّ المعضلة التي طرحها السيّد نصرالله اليوم لا تكمن في التزامه بكلامه ووعوده، بل بتضييق الخناق والاحتمالات أمامها ورفع منسوب المخاطر من أيّ تحرك لحزب الله، حيث تدرك أجهزة الاستخبارات الأمنية «الإسرائيلية» أنّ حزب الله قد تمدّد بشكل كبير في سورية، ايّ انّ الحزب الذي كانت تسعى «إسرائيل» إلى تحجيم حضوره في لبنان، وشنّت اعتداء صريحاً في حرب تموز عليه تحت عنوان «التخلص من حزب الله»، بات اليوم بحدود أكبر وامتداد أخطر، فتوغّله في الميدان السوري منحه قدرات استخبارية أكبر وفرصاً هامة للتخطيط لأكثر من مشروع لمهاجمة الكيان «الإسرائيلي» عند أيّ خطر يتهدّده أو يتهدّد لبنان، ويُضاف الى المشهد النفوذ الهامّ للحزب في الميدان العراقي، بمعنى آخر تدرك «إسرائيل» بشكل جيّد أنّ أوراق قوة حزب الله قد تضاعفت، وأنّ حديث السيد نصرالله عن تكبير الملف وتعقيده في حال دخول الأتراك والسعوديين الى سورية ليس هباء، بل ينطلق من حقائق أمنية وقدرات مستجدّة.
«إسرائيل» اليوم أمام معادلة ردع جديدة رسمها السيّد نصرالله بخطابه، وهي تشبه بتأثيرها تأثير الصواريخ المدمّرة التي تشكل عسكرياً بطبيعة الحال قدرة ردع للعدو في المعارك عبر عرض «القدرات والمقدرات»، وهذه ليست أولى رسائل السيّد نصرالله الرادعة التي تعاطت معها «إسرائيل» من دون شك، إنما أخطرها بالنسبة إليها لأنها تطال الصراع العربي ـــ «الإسرائيلي» الشامل، فهل ترتدع «إسرائيل» عن هذا التهديد المباشر الذي استخدمه السيّد نصرالله لردع هذا التقدّم وإعطاء المعنيين الوقت الكافي للمزيد من التفكير والحسابات عملاً بالسياسة نفسها بوضعه مسبقاً في حرب تموز معادلات، مثل: «الضاحية مقابل حيفا»، و»مطار بيروت مقابل مطار بن غوريون»؟
خطاب السيّد نصرالله الذي تطرّق في أغلبيته إلى الأزمة السورية والوضع العام في الشرق الأوسط، ومن خلال الحيّز الذي أعطاه لمسألة المشروع التكفيري في المنطقة والتحدّيات أمام الطائفتين السنية والشيعية في المنطقة، هو دخول مباشر على مستوى خلط الأوراق كلها ومنح فرصة تمهل للتفكير ملياً ووضع المشهد في إطاره، وأكثر ما يعني «إسرائيل» في هذا الإطار أنّ الحزب يشكل بالنسبة إليها جهة مجربة وليست استفزازية أو استعراضية عدا عن أنها تدرك تماماً أنّ الحزب مستعدّ في أيّ وقت لتنفيذ وعوده في الانتقام لدماء شهيده القائد عماد مغنية ولألف سبب وسبب، بينها أهمية الرئيس السوري بالنسبة إلى حزب الله كرئيس داعم للمقاومة يؤتمن على تأمين السلاح المطلوب لها والذي حظي أيضاً في خطاب السيّد نصرالله بالتمجيد المطلوب.
قدّم حزب الله بالأمس اعتماده الواضح المتمثل باستعداده للدخول على خط المواجهة والمبارزة لأيّ جهة، اكانت سعودية او تركية، وبالتالي فإنّ هذا الحساب يفترض ان تأخذه الدولتان بعين الاعتبار بشكل أكبر من أيّ وقت مضى، وهنا يتوضّح السبب الرئيسي الذي حدا بالسعودية إلى تسمية الحلف الذي تنوي تشكيله منذ شهرين بـ»التحالف الإسلامي» وتوسيعه من الإطار العربي من أجل دخول تركيا إليه ضمن إطار مألوف، وضمن هذا المعطى فإنّ القراءة السعودية – التركية لمصير هذا الحلف ونطاق عمله تخضع هي الأخرى لاختبار بعد إعلان حزب الله شريك سورية التي أعلنت الاستعداد وتحدّثت عن صناديق خشبية جاهزة للمعتدين، وإيران التي ذكّرت بنهاية أنظمة خليجية، وروسيا المتربّصة لتركيا…
وموقف حزب الله الأخير من رؤيته لهذا التدخل، والتي كشفها أمينه العام والتي ستأخذ حزب الله نحو فلسطين، وحده حزب الله يجيد مخاطبة «إسرائيل وها هو يكشف ورقته الكبرى والأخيرة ويرفعها في وجهها…