أردوغان من حلم السلطنة إلى الصراع على بلدة
ناديا شحادة
سياسة حكومة أنقرة التي اتبعها حزب العدالة والتنمية منذ اندلاع ما يُسمّى بـ «الربيع العربي» رسمت صورة واضحة للدور التركي في المنطقة، حيث راهن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان الذي كان يحلم بتزعّم المنطقة على نتائج ما يُسمّى بثورات «الربيع العربي» في مطلع العام 2011 ابتداء من تونس ثم مصر فاليمن وليبيا وسورية. فقد وضع مصالح بلاده جميعها في سلة ذلك الرهان من دون ان ينتظر نتائج هذا السباق الذي بات واضحاً اليوم انه انقلب ضد حكومة العدالة والتنمية ذات الفكر الإخواني.
فتركيا التي كانت تطمح في ولادة شرق أوسط جديد تكون هي القائد الأول فيه، بعد إغلاق الأفق الأوروبي بوجهها تدرك جيداً أنه لا يمكن تحقيق حلمها في التوسّع طالما سورية تحت قيادة الرئيس بشار الأسد، لذا سعت منذ بداية الأحداث في سورية إلى إسقاط الدولة من خلال دعمها للجماعات الإرهابية التي تقاتل ضد الجيش السوري، الذي صمد وحقق المزيد من الانتصارات، التي أربكت الحلف المعادي لسورية، وعلى رأسه انقرة التي زادت من دعمها للإرهابيين، كما أكدت ذلك مؤخراً وزارة الخارجية الروسية في الخامس عشر من الشهر الجاري وأعربت عن قلقها من مساعدة أنقرة لجماعات جهادية جديدة ومرتزقة مسلحين على التسلل إلى داخل الأراضي السورية لتقديم العون لتنظيم داعش وغيره من الجماعات الإرهابية.
فالمتابع للوضع الميداني في سورية وبالذات بعد التدخل العسكري الروسي يدرك تماماً الإخفاق التركي في تحقيق طموحه في إسقاط الحكومة السورية، التي ردّد المسؤولون الأتراك مواقف عالية اللهجة وطالبوا الرئيس الأسد بالتنحّي في العديد من المرات، ولتجد نفسها الآن عاجزة أمام ما يحدث من تقدم للجيش السوري وحلفائه في مناطق عدة، وأهمها في الشمالي السوري وعلى المناطق الحدودية مع تركيا، حيث استعاد الجيش السوري مدعوماً بالغارات الجوية الروسية بلدة كنسبَّا في محافظة اللاذقية التي تبعد 5 كلم عن الحدود التركية، حسب ما أفاد قائد ميداني في الجيش السوري.
يؤكد الخبراء الاستراتيجيون أن في ظل المعارك المحتدمة في سورية، وفي ظل ما يشهده الميدان السوري من تطوّرات لمصلحة الحكومة السورية الذي وضع تركيا في موقف صعب للغاية، وباتت في الوضع الراهن جل أهدافها الحصول على منطقة صغيرة مثل اعزاز التي تقع شمال محافظة حلب، حيث أكد رئيس الوزراء التركي في الخامس عشر من الشهر الحالي أن تركيا لن تسمح بسقوط اعزاز، وفي مؤازرة ذلك عبر عدد من الإرهابيين الحدود التركية إلى اعزاز بإشراف من السلطات التركية التي تحرص على عدم سيطرة الأكراد على المدينة.
ففي ظل اللعبة التي يلعبها الرئيس التركي الباحث عن السلطنة والذي افشل مؤتمر جنيف 3 الذي شهد مساراً سياسياً وميدانياً لم يكن لمصلحة المعارضة والدول الإقليمية التي تقف خلفها، لعله يحقق نصراً ميدانياً يدخل من خلاله مفاوضات جنيف المقبلة من موقع المنتصر، تلك اللعبة التي تقابلها سلسلة من الفشل المحكم والسلم الانحداري للدور التركي، ففي ظل ذلك الفشل وخسارة تركيا تأثيرها في سورية يبقى السؤال هل سيسمح لأنقرة في ظل الوجود العسكري الروسي ببعض ماء الوجه لاستكمال المحادثات؟ أم أننا سنشهد انهياراً استراتيجياً لتركيا جراء رهانات مغامرها أردوغان؟